الخميس، 13 أكتوبر 2011

ما بين سخرية التاريخ والمجلس الإنتقالي إن لم يكن "الهوني" فـ " أحمد ابراهيم الفقيه"


ما بين سخرية التاريخ والمجلس الإنتقالي

إن لم يكن "الهوني" فـ " أحمد ابراهيم الفقيه"
 

-1-
الواقع غير المستقر يخون حيناً ولا يساند انبهارنا به، يموج بملابسات قد لا تبعث إلى الإطمئنان إليه، قد تختفي فيه العلاقة بين الإختلاف والإلتئام العقلاني أما من يغفل عنه فقد يحيله إلى اسطورة، أو إلى فتوحات وهمية اكثر مما هي آمال قابلة للتحقيق ، هذه الفرضية يدركها المرء إذا أتاها من بابها، أي بالإكتراث- قبلاً- بفكرة قوانين المجتمع بطريقة تخضع للمحاجة النقدية. سمةُ هذا الواقع أنّه ليس مرشحاً أن يظل هكذا.
وبحسب ميلنا لما نريد، قد لا نرحب بأنّ الواقع قد تسكنه لحظات تعيسة ومؤلمة ، فقد نمجد الحرية كل يوم ونغتالها في ذات اليوم فنسأم العالم الذي نعيش فيه فنفقد تبعاً لذلك عفوية الاتصال الوثيق بالتاريخ وتزداد حيرتنا اتساعاً فنلجأ مضطرين لعصبية فئوية تبعاً لدوافع معينة لنحتمي بها فيشوب هاجس المطامح والمطامع، ويطفو على السطح ظاهرة المرشح " النجم" الإعلامي أو الخبيرواتي. 


تنطبق هذه الملاحظة على المرحلة التاريخية الحساسة التي تمر بها هذه البلاد الباحثة عن سؤال الديمقراطية وعن هوية جديدة ، وهي مرحلة من مراحل انواع تفاوت القرارات وتقرير المصير وفهم الدّرس السابق الذي فاق جبروته الوصف وقبول مسؤولية الإجابة عن أسئلته التي نسينا أن نسأل عندما كان المواطن يموت غماً ويعاني بؤساً ويشقى دهراً. وهي مرحلة -شأنها شأن أي تغير جذري- ليست إلا ضرباً من ضروب التعاقد الإجتماعي بين مستقبل البلاد وبين المواطن الذي ينتظر شوقاً للولوج في المستقبل دون أن يكون معلقاً في الهواء السحيق على غرار العقود الماضية. كذلك من جهة أخرى فإنّ أية مرحلة تاريخية  تحمل معها قوانين فهمها التي يختلف حولها الكثير اختلافاً قد يعطىء نتائج جيدة إذا كان كل الناس يشاركون في النقاش السياسي حوله دون وجل أو خوف كمؤشر على مستوى رقي المجتمع الذي تعيش فيه.

في هذا السياق يكون السؤال هو أحد مظاهر التعبير الإنساني عن هذا التشارك وخاصة عندما يكون النقاش بين الناس العاديين البسطاء وليس النخب الثقافية واكثرهم من الفهلويين ذوي القدرة على مسك العصا من النصف. يطرح هذا المستوى عدة تساؤلات مندرجة في هذه المعطى قد لا تغير من الواقع القائم بل تُبتخس ، غير أنّ المسألة ليست بهذه البساطة، فلا تعبير انساني بمعزل عن الخلاف والشك والنقد و الإحتجاج.

-2-
        من يضل سكة البلد لايصل: 
      
أما الاسئلة المندرجة في هذه الزحمة المتوارية من النقد في عقولنا فهي ليست من المجردات الوهمية أو الشموليات المطلقة ، بل أسئلة  ملموسة تشرئب – في تصوري- في عقل معظم متابعي هذه المرحلة في قلق متواصل وحوار باطني، فالثورة منذ لحظتها الأولى استردت - فجاءة- انسانية الإنسان الليبي ، وتعلق بها كلّ الأحرار في العالم وبكل الحماس، ابتسمت بكبرياء في وجه المستبد لتصنع مصيراً مغايراً لهذا البلد، لكن حكايتها لم تنتهِ بعد حيث الواقع غير المستقر لا نستطيع أن نخضعه لفكرة سياسية مسبقة، بل يمكن مشاكسته بالسؤال ، ومقارعة الحجة بالحجة ، فإذا كانت ثورة شباب 17 فبراير هي عنوان يقظة هذا البلد على التاريخ والحياة وبناء الدولة ، فهل يستطيع أحد أن يقفز على هذا الواقع ليصوغه حسب اهوائه؟
هذا الواقع إما أن ننظر اليه بالقبول الواعي به ، وتفجير الأسئلة حوله ، أو نستهزيء به وبقوانينه ونتركه يفلت من بين ايدينا ليرتمي في مخازن المتسلقين ليعيد التاريخ المنصرم سيرته الأولى ، والسؤال احياناً لا يطيق الإنتظار ، وقد يلتبس مع الريب والتمرد والتمرد هو صنيع المحاجة والإختلاف :

-         كيف يمكن للمجلس الإنتقالي ان يستوعب مكتسبات الثورة الميدانية – والتي لم يساهم فيها اصلاً- وكيف يعي حجم الثمن الذي دفعه الثوار في سبيل ليبيا الحرة فعلياً وليس وثباً انشائياً أو فضائياً بدأنا نسرف في التماهي معه بمعزل عن الواقع وهو اسراف يجعل فيه المرء وبالذات شبه المثقف يبحث عن نوع من البطولة الذي يغرم بالتشبث به و بالسلطة والموقع الخادع.
-         وبالطبع لايستطيع أحد أن ينكر مدى حجم المهام المنوط بها المجلس ، ومدى ثقل هذه الأمانة ، ومدى السعي الدّؤوب نحو الإنتقال بالبلاد إلى ضفاف الإستقرار والبدء في مشروع بناء الدولة والمجتمع المدني والرقي الإجتماعي، غير أنّه ثمة التباسات داخل المجلس تتعلق حصرياً في زواية اختياره لممثليه ومستشاريه وبعض اقرانه الآخرين ، وهي التباسات لا تخطئها المرئيات الحسية ولا تحتاج إلى برهان عقلي . بل لا أحد يقلل من شان تباين الإتجاهات في مسائل أخرى متعددة لم يحن موعد نقدها بعد ، كذلك لا ثمة احد يستبعد حسن النيات في قضايا اخرى هامة ، غير أنّ واقع اختيار المجلس لبعض عناصره يباغت المواطن ويجرجر خلفه الكثير من الأسئلة:

-3-
        البلد يريد من يخلد الحرية لا زعماء يخلدهم تاريخ يكتبه مزورون:

-       إذا كان هذا البلد يسعى نحو مستقبل مغاير لما كان عليه لعقود طويلة، مستقبل يريد ان يملك فيه البلد ذاته والفرد حرية تقرير المصير فيه ، فلماذا المجلس يلوّن الثّورة حسب اوضاعه الخاصة وعلاقاته العشائرية، وينسى الفارق بين الموقف فيما يختار وبين موقف الثورة العفوي الذي ليس فيه التباس بين الحرية والتآمر.
-       فكيف يمكن لأحدٍ أن يُعين مستبداً في موقع يمثل ليبيا عربياً ودولياً ، وكيف يستقيم أن يُعين مستشاراً إعلامياً للثورة في الجامعة العربية علماً بأنّه ساهم على نحو خطير في نفخ طاغية حسب منطق ثقافة الإستبداد؟ ما الذي دفع المجلس إلى تعيين " الفقيه" مندوباً لليبيا الثورة في الجامعة العربية؟
-  فالروائي " المبدع" والأديب الليبي " أحمد ابراهيم الفقيه" يغيب عن وعي هذا المجلس الوقور بأنّه لم يتقدم يوماً – إذ كان في مقدوره-  صفوف المحتجين والمعارضين قائلاً لا للطاغية ولإستبداده ومنطق دبابته واغتصابه للسلطة وتعسفه البغيض ولكنّه آثر أن يقول في "قائده" القذافي تحت ظلال البنديرة الخضراء وبإعتزاز كمن يعلق الدّر في عنق الخنزير: ( النقل هنا حرفيا من التذييل الذي نشره فيما بعد على موقع اللجان الثورية)
"القائد معمر القذافي حالم كبير، ولا شك أن حلمه هو الذي قاده إلى إبداع النظرية الجماهيرية، التي أصبحت واقعا يعيشه ويمارسه ملايين الناس. واذا كان القائد قد استخدم حسه العملي، ووعيه التاريخي، وجملة المعارف والخبرات التي اكتسبها، من أجل تحقيق هذا الحلم، فما الذي يمكن أن يضيفه مفكر له هذه التجربة إلى فن القصة الذي يعتمد أول ما يعتمد على الخيال؟ "  ثمّ أنه بعد وصف الطاغية الجلاد الذي يشير إليه بلقب " القائد" وهو اللقب المحبب لديه ، بـ " الحالم الكبير" ، الذي قاده حلمه إلى " إبداع النظرية الجماهيرية ، التي اصبحت واقعاً يعيشه ويمارسه ملايين الناس" ، يعود في شغفٍ ليسخر قدراته التعبيرية المتميزة لكيل المديح لقائده وقد وقف ذاهلاً أمام هذه المباهج فيقول ( والنقل حرفياً):
"لقد مر وقت طويل قبل أن أعرف أن هاتين القصتين هما من تأليف قائد الثورة. كنت قد قرأتهما، ووقفت ذاهلاً أمام هذا الإبداع الجديد الذي يمتلئ بشحنات انفعالية غاضبة، وهذه الصياغة المتميزة التي تجعل من الغضب طاقة هائلة قادرة على تفجير اللغة، لإعادة ترتيب الواقع، وتوظيف"التقنية" الفنية توظيفا بارعا من أجل الوصول إلى معالجة قصصية تشحن الوجدان، و تعبئ المشاعر، وتفيء المناطق الغامضة في النفس البشرية. من أين لموهبة جديدة في كتابة القصة أن تحقق منذ البداية هذا المستوى الرفيع في الأداء و(التقنية)؟ "



غير أنّ الإنذهال عينه لم يقف عند هذا الحد فقد أخذ سكر اليراع يطرز من فيض المعاني الصاخبة، فيقول:
      
"ولم تنته حيرتي إلا بعد أن عرفت أن كاتب هاتين القصتين ليس إلا قائد الثورة نفسه، فهو قبل أن يكون مفكرا وقائدا ورجل ثورة، إنما هو كاتب بارع، ومبدع له القدرة على تطويع ملكاته التعبيرية، والاستفادة من الأشكال الإبداعية التي تستجيب للأفكار والانفعالات والتأملات التي يريد تقديمها للناس عن طريق هذه الوسائط الأدبية. إن ميدان الكتابة الإبداعية الذي يستلهم أفكاره ونماذجه من تركيبة قوامها الواقع والتاريخ والخيال، سيكون أكثر ثراء عندما يجد أن واحدا من صانعي التاريخ، قد اختار هذا الشكل الأدبي، وهو القصة القصيرة، ليكون وسيلته لمخاطبة القراء. " وهكذا تلاحقت الألقاب والأوصاف "   وحتى هذه اللحظة فقد أسبغ على قائده ألقاب وأوصاف "قائد الثورة، والحالم الكبير، ومبدع النظرية التي أصبحت واقعا يعيشه الملايين، وكذلك المفكر، ورجل ثورة، وكاتب بارع ومبدع "  
ثم يعود ويضيف عن الطاغية بسريرة مطمئنة وبإفتنان يسري في مسرات النفاق :
"وأول ما نلاحظه ونحن نقرأ هذا العطاء الفني، أن القائد معمر القذافي عندما جاء يكتب القصة، لم يكتبها مستخدما القوالب القديمة، ولم يعتمد الشكل التقليدي المتوارث، الذي يطالب بان يكون للقصة حدث مركزي رئيسي، و أن يكون لها بداية ووسط ونهاية، بكل ما يرافق تلك الطريقة التقليدية من أسلوب تقريري، وتتابع تراتبي منطقي للأحداث، واهتمام بالوصف الخارجي. لقد اختار القائد معمر القذافي أن يكتب قصة تنتمي إلى قصة الحداثة، وأن يستخدم"تقنية" فنية متطورة، وأن يستفيد من آخر إنجازات التعبير القصصى، وبمثل ما هو قائد ثوري يمتلئ بهاجس تحطيم القوالب القديمة، وتجاوز الأطروحات التقليدية في الفكر والممارسة، فهو أيضا كاتب مسكون بهاجس الابتكار والتجديد، والبحث عن بدائل جديدة للصياغات الفنية العتيقة. ولذلك فقد جاء يكتب قصة قصيرة تعبر عن هذا التوق الدائم الى التجديد، قصة تطمح في أن تكون وعاء يفيض بأعمق ما في الشعور من وميض ونبض وضؤ وظل، وتسعى إلى طرح أكثر الأسئلة اتصالا بجوهر الوجود الإنسان، تستخدم اللغة استخداما حديثا عامرا بالتوتر والتحفز، تعتني بتقديم العبارة الشاعرية، والجملة القصيرة، وتهتم بتصوير العالم الداخلي للإنسان .   وأخيراً.. فإن ما توفر لهاتين القصتين من عمق التحليل، والقدرة على سبر أغوار النفس البشرية، والسيطرة على"التقنية" الفنية، وصدق وحرارة الانفعال أثناء الكتابة، يجعلها من الأعمال الإبداعية التي تحقق لقارئها المتعة الروحية، وتفيء له جوانب من حياته، وتحرك في نفسه رغبة صادقة لتجاوز سلبيات الواقع شوقاً إلى معانقة الأبهى والأجمل في الحياة. وتلك هي أعظم رسالة يقدمها لنا الفن". فيما بعد تحوّل إلى " السمسار الأدبي الرسمي للقذافي حيث أوكل إليه مهمة شراء ذمم المثقفين والأدباء لكتابة الدراسات والبحوث عن أدب القذافي وفكره" ( أنس بيطار).

 هذا شيء يسير مما كتبه " أحمد ابراهيم الفقيه " عن الطاغية الذي يقول عنه الآن - مستهجناً ذهنية وذكاء الإنسان الليبي – وعلى نحو مريب:  " فقد حقق لنفسه ( أي القذافي) بجدارة مركزاً ومكانة في تاريخ الطغاة وسيفتخر الليبيون بأنهم اطاحوا برجل يعد من عتاة عظماء الطغاة في التاريخ البشري" وذلك في مقابلة له حديثاً على موقع "عين نيوز" ( 4 من سبتمبر 2011) باعتباره " عضو الوفد الليبي بالجامعة العربية" بعنوان " اسرار خطيرة لم يعرفها الكثيرون عن القذافي" في شاهدة واضحة على مدى تطرف هذا الإستهجان، وإلى أي مدى تظهر نبرة المنتمي الزائفة للثورة وانحيازه لها و التي – سبحان مغير الأحوال- غدا يتغنى بها ليل نهار اسخفافاً بعقول النّاس . لماذا لم يبح – بحق ليبيا- بهذه الأسرار- والتي لا تغني ولا تسمن من جوع أصلاً- قبل ثورة 17 فبراير على الأقل من باب الزينة أو حتى باب الكناية بـ" ابداعات" القذافي.
ومن طريف الأمر وفي مقابلة مع صحيفة " الشرق الأوسط" بتاريخ 20 سبتمبر يقول عن قائده الطاغية" القذافي جاء يركب دبابة وعاش بالدبابة والسلاح واغتصب السلطة اغتصاباً واحتفظ بها مدة 42 عاماً بالقوة والرعب والإجرام والقتل "

وهكذا فالذي استماله الطاغية العاتية وادخله حظيرته في سهولة واضحة ليصبح بوقاً له، ينقلب عليه بعد ثورة 17 فبراير ويقول فيه ما قاله مالك في الخمر.  فهل المجلس يجهل هذا الأمر أو يتجاهله ؟ فإن كان الحال هو الأول فتلك طامة معرفية كبرى وانتهاك لجوهر امانة المسؤلية ، وإن كان الشأن هو الثّاني فذلك جرم مشين وتقليل متعمد من شأن الثّائر الميداني وإرادته الحية، هذه المفارقة تسدعي اسئلة اكثر .                                                                                                

-       هل يغفل المجلس عن أنّ من يقترف هذا الإثم إنما هو قد قام فعلياً بخذلان الجماهير اذ تقع على عاتقه –باعتباره من النخبة المثقفة- تنبه الجماهير إلى مواطن الخطر وتقودها إلى تجاوزه ..... فقد سوّغ لهم الطاغية ولمّع صورته عندهم .. ثم ماذا كان يفعل الأديب والمثقف الذي عينوه اليوم مستشارا ثقافياً يمثل الثوار عندما كتب تلك السطور المشينة .... فالأمر لا يعدو واحدة من إثناتين إما أنه رجل صادق أمين كان يعني ما يقول في وصفه للقذافي بأنه "قائد ثورة ومبدع وصانع تاريخ"  وهو في هذه الحالة لا يستحق شرف الانتماء إلى الثوار ناهيك عن تمثيلهم في المحافل الدولية في نعيم القاهرة، وإما أن يكون كاذباً منافقاً يسترزق بما حباه الله به من موهبة الكتابة، خذل قومه وغشّهم نظير حظوة عند جلادهم ..... وهو في هذه الحالة شخص لا يؤتمن جانبه ولا يستحق شرف تمثيل الثوار.

-       هل يمكن لهذا المجلس أن يسأل مستشاره من قال هذه الكلمات وأين : " القلم يشعر بالرهبة وهو يقارب حياة ومسيرة هذا القائد الأممي التاريخي المرصعة بجلائل الأعمال وحكيم الأقوال والنصوص ويقف العقل حائراً من أين يبدأ في اقتحام هذه القلعلة الإنسانية العامرة بالأبراج والقباب العالية والدهات الفسيحة والمؤثثة بثراء الخبرات والتجارب التي اكتسبها القائد من مسيرة نضالية من أجل الآخرين ... لنحتفل بالعيد الذهبي بالمنجز الإنساني لقائد ثورة الفاتح العظيم الثائر المفكر الأديب الشاعر الحكيم الساسي معمر القذافي" ، وإذا ما فرغ من هذا السؤال هل يمكنه ايضاً أن يسأل المجلس مستشاره – على الأقل – من باب الإطمئنان على هذه المحاسن وعلى هذا البلد المنهك، من القائل ساعة سنوات الموت المجان: " إنّه جانب العطاء الإبداعي للقائد معمر القذافي، الذي عرفه عالمنا المعاصر مناضلاً وقائداً قومياً وصاحب نظرية في الفكر السياسي والإقتصادي والإجتماعي، الذي نحتفي اليوم بمجموعنه القصصية ( القرية القرية .. الأرض الأرض ، وانتحار رائد الفضاء ) ... ولا شك أن مجال الأدب يفخر اليوم بأن يكون من بين مبدعيه قائد تاريخي له قامة معمر القذافي"؟ إذا لم يتحصل المجلس على اجابة مباشرة وصريحة من مستشاره فليس صعباً من أن يقوم بهذه المهمة شخص آخر.


      -  فكيف لمن قدّس المستبد القذافي أن يصير مستشاراً اعلاميا يتبع هذه الثّورة؟ ثمة من خلل، وخلط ، وانخداع  عند هذه النخبة ذاتها ، فالمجلس يضيّق من أفق الثّورة المعمدة بالدم فإن لم يكن يستهجن بضحايا الثورة واهاليهم ، أو إن لم يكن يستهجن بتطلعات هذا البلد لمستقبل أفضل، فتراه يختار جزافاً الإنتقائية تركيزاً على شوكة العصبية حيث يُغلّب ميوله العشائرية الفئوية على حاجيات الناس التاريخية والمستقبلية مستعملاً الواجهات الفضفاضة الزائفة الفضائية بعيداعن منطق الفهم الفطري والأقيسة المعقولة ويصنع ذلك بوعي مغلوط تحت شعارات متذبذبة وأقنعة حداثوية عن التطور والإزدهار والحرية والمواطنة والعدل وتعددية الديمقراطية وحقوق الإنسان وأخوات هذه المفاهيم المتوفرة في كتب "هداية النّاشيئن"، وربوع الموسوعات الإلكترونية .


إنّ المرء لا يقف عند إدراك هذا الواقع إلا إذا أيقن أنّ المؤهلات الذاتية والشهرة الأعلامية لا تكفي لصناعة وطن ، وشاهدة ذلك تكمن في العقود الماضية ، كما لا تكفي الأسماء اللامعة المنتفخة التي كانت تدرك عن كثب مدى حجم الإستباحة والإستبداد والإمتهان لكرامة الإنسان ولابسط حقوقه أن تكون معياراً لإختيارات المجلس ، بل أثبت الواقع أنّ مثل هذه الأسماء لا تجدي نفعاً ولا يعتمد عليها ،  بل كانت على انفصام كامل ومتعمد  مع معاناة هذا البلد، أوليس لنا عبرة في مشاهير المثقفين الليبين الذين لم ينحازوا للشعب واختاروا سكينة الصمت والتأمل كما أختارروا فوق ذلك اتباع اساليب التزلف والتملق للطاغية القذافي على النحو الذي اتبعه الروائي الليبي أحمد ابراهيم الفقيه وابدع فيه- كعادته- أيما ابداع ؟

ومن السؤال يأتي قرين السؤال : لماذا المجلس يُقدم على اختيارات في تعيينات هنا وهناك، ويحتفظ  بسفراء مارقين هنا وهناك، وينتخب مبعوثين سياسيين في محافل دولية وعربية هنا وهناك ، على أن لا ينبغي بالمطلق الصريح السامي إلا أن يتقبلها الناس  بدون منقاشة أو نقد أو تساؤل؟




-3-

        إن سألت فلا ترفع أمام عرش المجلس صوتاً:

قد لا يكون من الجائز في هذه الظروف التي تمر بها البلاد أن نبادىء المجلس بالانتقاد ، غير أنّ للمواطن الليبي في هذا البلد انتسابا، وعليه أن يسأل وعليها ( المواطنة) أن تسأل ، وعندما تصدر فرمانات مفصولة عن الأسس المنطقية في هذه المرحلة فينبغي نقدها ، لا مفرّ من ذلك. وإلا، فهل نحن قطاع طرق نبحث عن غنائم أم عن قيم الدمقراطية وقيم حقوق الإنسان والمناهج العقلانية القادرة على تجاوز هذا التخبط وفوضاه؟

تزاحم الأسئلة حيث لا إجابات ، وحيث أماني هذا البلد البعيدة:

هل تتمشى سلوكيات المجلس حسب الحاجات التاريخية لهذه المرحلة من هذه الزاوية بالذات و تحديداً ، زواية التعيينات المشبوهة ، وهل في اختياريته ما يُظهر من سياسات عابرة لا طائل من ورائها إلا النكوص إذ من الواضح البيّن أنّها سلوكيات تعيش واقعاً ينفصل عن المحيط الذي لا تعيش فيه أصلاً أي محيط الثّورة الميداني الذي يُخبر عن لغة النضال الفعلي وليس عن عالم المديح والتملق وعجائبه، وسط العناية المتزايدة بالعناصر ذات الطابع الإستبدادي والإنتهازي  .

إنّ انعدام الوعي التاريخي في هذه المسألة بالذات لدى المجلس واتباعه سياسة التسرع والإرتجال والتحيز والمحاباة يؤدي به إلى خيارات تتمحور حول فئة من عناصر ورموز كانت من أهم ركائز صناعة المستبد وطغيانه الأحمق ومن دعائم التمديد الداعمة في عمره على حساب معاناة الإنسان الليبي، عناصر من المدراء والأمناء والسّفراء والمثقفين هي الآن في وزارات وادارت وسفارات تمثل ثورة 17 فبراير في شهادة هزلية تلتبس بالشك وتقلص الحرية كمن يعتز بالغموض والعدائية لهذا البلد، مثل هذه الخيارات التعسفية المضادة لنبض الشارع ليس من شأنها إلا أن تزرع الشّك في مصداقية العمل السياسي المستقبلي ذاته رغبة في ارضاء قطرات من دموع التماسيح بصكوك غفران لا تخلو من معنى استهجاني في خدمة روع فكرة السلطة وجبروتها والتجاهل – معاندةً - لمشاعر أسر الشهداء وللمحترقين في بيداء القتال.


 
         إن إعترتْ بعض الكلمات اسئلة أخرى ، ثمّ ماذا:

ثمة علاقة خفية بين العبث والجد لا يقف على سرها إلا هذا الثائر الذي يواجه الموت مرات ومرات ، ارنست تشي غيفارا عبّر عن ذلك في يسر: " لا يقوم بالثورة إلا شجاع ولا يستغلها إلا انتهازي" ، واستغلال الثورة فيه مساس بحقوق المواطنين وزهوٍ بسطوة العبث ، فإرادة المجلس تتعارض مع وجدان الثورة بمنطق القسمة الفئوية ، فالثائر يعتصم ببهاء القتال المخضب بالدم القاني من أجل حرية الليبيين ، في لحظة يغدو فيها مدّاح القذافي (أحمد ابراهيم الفقيه ) المتنور مسشاراً اعلامياً لهذا الثّائر، ونقيضاً له ، فيدخل الثائر مفازات الحرب وفتك الحرب وساعتها تطول وقد تغدو الايام فيها إلى دهر، وهو يظهر أي الثائر في الميدان في بساطة الإنسان الطيب الدرويش رافعاً سلاحه شغفاً لتحرير ليبيا ، ويظهر مستشاره الإعلامي متشحاً بعنجهية ما يتمتع بها الطغاة العتاة من وسائل التسلط و الإستبداد ، وهكذا يبدو الواقع في تناقضاته.

الثائر يغرس اقدامه عميقة في الأرض ويحلق فوق الرمال متشحاً بهجير البيداء ، والمستشار لم يُسجّل له ساعةً أن وقف يوماً بوجه الظلم والقمع والإستبداد ، ولم تصدر عنه اشارة أو حتى تلميحة عابرة لإدانة نظام ممدوحه القذافي على مرِّ العقود الماضية ، تلميحة واحدة قد تشفع له أمام ضميره وهدر هذه السنوات الليبية.

        ما تخيل السؤال أنّ الأرض لا تسع إلا دم الثورة:

والسؤال يطارد السؤال ، فمن الذي جعل وساهم في جعل الطاغية القذافي مارداً أهوجاً ، ألم يتغزل فيه بعض الأمناء حتى أن قال فيه أحدهم أمامه واقفاً في خنوع و في ذلٍ وانكسارٍ في احدى جلسات المؤتمر الشعبي :" أنت فوق البشر جميعاً" ؟ أوليس الإنسان المنافق الذي تنطوي نفسه على الطغيان والإستبداد لابد وأن يمدح ويمجد الطاغية ويتزلف إليه بكل ما يملك من مهارات ؟
 فكيف لمداح هذا الطاغية أن يصير مستشاراً اعلامياً هكذا دفعة واحدة بعيداً عن الإنصاف، بينما كان عنصرا اساسياً – وبامتياز- في تكريس جبروت طاغية جلب إلى هذا البلد شتى انواع البؤس والخراب والدمار والبلاء ولم تهتز له ( المستشار) قصبة أو رعشة ضمير يوماً وهو يرى ممدوحه الطاغية يعيث فساداً في البلاد، هل أقدم سيادته أحد الايام على أن يتخذ موقفاً شجاعاً أو حتى نصف موقف وعلناً من نظام القذافي وسنوات السجن تحت الأرض وفوق الأرض والرصاص والإعتقالات والتعذيب والحديد والنار ونهب المال العام وتبديده لعقود تناوب عليها اللصوص وقطاع الطرق والمتملقين والمقربين حتى قبل ثورة 17 فبراير التي ركب امواجها في سرعة تفوق سرعة البرق و على نحو يصعب على أعتى المتسلقين التسلق مثله؟
 ليقدّم هذا المستشار لهذا البلاد اشارة واحدة تخوله أن يكون مسشاراً لهذا المجلس " البراغماتي".  فكيف لمجلسٍ سعيدٍ كهذا ، يرتكب هذه الخطأ الملتبس بالزيغ والتيه استخفافاً بعقول النّاس ، بل و مهانةً واستهجاناً لهذا البلد ولإسر شهدائه ، لا يفطن إلى عظيم جرم هذا المستشار؟ فكيف يا مجلس لمثقف مثل مستشاركم هذا أن ينحاز وعن وعي كامل إلى طاغية " فاق جميع طغاة العالم" ، ليستغني به عن بلدٍ عاش – ساعة نشوة المديح- تحت ظلال الرعب وهدر كرامة الإنسان ووالموت بالمجان والمقابرالجماعية والجور والتفقير وما لم يخطر على بال بشر.

        لم يبق من ثروةٍ لهذا البلد إلا الإنسان القادم من رحم الثورة:

إنّ أول ما يلفت النظر – على ضوء سلوكيات المجلس في هذه الجزئية-  في اختياره لعناصر انتهازية ساهمت في صناعة جبروت القذافي،  و في تجاهله الواضح لمشاعر اسر الشهداء والضحايا أنّه يمارس الفهلوة السياسية المستعارة من الدكاكين القديمة والتفكير الشريد بمثل هذا الوضوح المفارق للعدل ، فمثلاً لم يكن أحد يتوقع أن يتسلل "الرائد عبدالمنعم الهوني أحد مؤسسي الشرعية الإنقلابية في ليبيا والمشاركين في جريمة هدم الدولة والغاء الدستور ونسف البرلمان وخيانة علم الإستقلال مجللاً بنزوة الإنقلابي أن يكون عضواً في هذا المجلس وممثلاً ومندوباً لليبيا في الجامعة العربية؟  أوليس في هذا استخفافاً سلطوياً بذهنية المواطن الليبي وذاكرته التاريخية والجماعية ، أليس في هذا العبث بهلوانية تخرج عن ساحة المعقول، فالإنقلابي الذي يعبث بالدولة ، لا محالة يحتكر التسلط لنفسه للعبث بمصير الناس ومقدرات البلد ؟

 اليس هذا عينه التخطي لباب العدل والتخطي لاستقلال البلد وكرامته؟ هل يستحق هذا البلد مثل هذه السيادة؟ هل على هذا البلد أن ينسى أنّ لا علاقة للانقلابيين بحياة الناس ولا بمؤسسات " المجتمع المدني" بل بالرق.
 هل اعتذر هذا الممثل البارع للمجلس " الوطني" في الجامعة العربية على سوء فعلته وجريمته التي قدّمها  للشعب الليبي بخلود العسكري في الإستيلاء على السلطة ، ليقدم لنا المجلس " الوطني" دليلاً واحداً – حتى وإن كان يتيماً- على أن هذا الممثل خبير التنقل بين المعارضة والطاغية قد قدّم اعتذاراً لهذا البلد فيما جناه عليه من بؤس وشقاء وتخريب؟ فهل " الدّوس" على كرامة الثّوار الفعليين متعة للنفوس يا ايها المجلس ؟

        بعد كل هذه الشهور المريرة من الثّورة ، من سيظفر بالسلطة؟

أهكذا تخون الذّاكرة هذا مجلسٌ ولا يتذكر بانّ هذا الممثل البارع كان أحد مرتكبي جريمة "الفاتح" بامتياز ، فكيف لمن خان علم الأستقلال دهراً وتمرد عليه بدبابة هوجاء يرفع له التحية الآن ؟  أو يزين به صدره كما يفعل اقرانه المتسلقين الآخرين أو كما فعل زميله في الجريمة "الرائد جلود ، أو من استهجنه سابقاً من المعارضين الليبيين لأكثر من ربع قرناً ؟؟

 ألم يتلون عبدالمنعم الهوني  ،هذا الممثل في سالف الأيام وهذه الأيام، بالوان كثيرة لخداع النّاس بقدرة فريدة لا يمتلكها إلا محتال سياسي خبير كيف يستهين ببعض المعارضين، وكيف يستميل الطاغية، فقد كان يخلع ويبدل جلده وقلبه وعقله ليلبس جلداً مغايراً اذا وجد من الضروري أن يتغير، أولم يتحالف مع المعارضة ومع تحالف "التحالف" ومع خلاص "الخلاص " ، متنقلاً بين القذافي المستبد، وبين المنخدعين فيه وحواريه حسب درجة رطوبة وحرارة الجو السياسي وحسب الكفة الرابحة وحسب الأيام دول، أولم تستدرجه واقرانه تلك البلونات الفاقعة والإختبارات الصادرة من جهات ودوائر غربية مختلفة على دنو ساعة سقوط القذافي بداية التسعينات فمال عندها مهرولاً إلى أين تميل أهواء المصلحة والسياسة فأسس آنذاك مع اقرانه " القوى الوطنية الديمقراطية الليبية"، في مؤتمر عُقد في جنيف من 27 نوفمبر إلى 30 نوفمبر من عام 1992،  تياراً سياسياً مات في المهد اسمه " هيئة التنسيق " ضم عدة  معارضين " منتخبين" بالصدفة غدا لها الهوني رمزاً قيادياً وملهماً سياسياً وزعيماً " ديمقراطياً" ، ثم طاف به الحنين شوقاً -  بعد أن طالب القذافي للتنحي عن السلطة - إلى صحبة المستبد كرة أخرى فعاد اليه خاذلاً اقرانه و"الهيئة" والمعارضة  ليتولى فيما بعد وبالتحديد في سبتمبر عام 2000 منصب مندوب وممثل " ألجماهيرية العظمى" في جامعة الدول العربية وهو على ما عليه كان يستمر مندوباً، ولسوف يعود- لا قدّر الله – إلى سيرته الأولى لو قُدّر للطاغية أن يعود .

 فمن يميل مع الريح وينحني للعواصف لا يصعب عليه تغيير قناعته والنّط بين اليابسة وبين الماء حسب سعر صرف عملة الإنتهازية. الممثل الإنقلابي مستبد بالضرورة ، بغض النظر عن نواياه الآن وما تكسب يداه ، فهو يسعى إما راكباً دبابة أو راكباً على اكتاف التضحيات الثورية الميدانية وعلى اكتاف الفهلوة والشطارة ، فالمرء الإنتهازي أمام خيارين لا خامس لهما: الخداع والتسلق.



-4-

·        لن يستمر هذا البلد مكتظاً بالمرارة ، فالثورة قادرة على الإلهام:

لاريب في أنّ اختيار المجلس لبعض اعضائه ومندوبيه ومستشاريه وترك سفراء القذافي الإنتهازيين على ماعليه بحجة "الإنشقاق" السمجة ، يظهر مفصولاً تماماً عن واقع هذه الثورة وعن ثمن تضحياتها ، فهل من الممكن لمن رسم للقذافي صورة خيالية وعالماً خرافياً يزيده غروراً وبطشاً ، ولمن دافع عن القذافي في المحافل الدولية والعربية والسفارات المتناثرة ، ولمن ينقسم على ذاته بين ولاءين ، ولاء للطاغية وولاء لثورة 17 فبراير فهل يمكن يكون أميناً على الثّورة؟

 إنّ هذا النمط من الإختيارات ينم عن استهجان بدم ضحايا هذه الثورة والإنتقاص من قدرها وقيمتها، فهل بوسع هذا الإستهجان أن يخلق ثقافة ديمقراطية متنورة وعادلة؟ هل أضحى الأمر مثل " الزحف الأخضر" ، أي حالة خاصة لا تمثل إلا مجموعة تربطها علاقات عشائرية وصلات سياسية قديمة ، فهل ضلّ المجلس مسار الثورة الأولي في نقائه وعفويته وتضحياته أو أنّه لم يعد يفهمه، أي يفهم اهداف هذا المسار؟

ما تزال الثورة قادرة على الإلهام رغم الصعاب  ، ولازال صناع الثورة الحقيقيين يعرفون إنّ نصاب بناء الهوية والوطن والدولة، ليس هو نصاب التسلق والتملق والتزوير والخداع وفهلوة الكلام في الفضائيات . الثورة هذه مثل النهر المتدفق ، سوف تواصل تدفقها ، فهي ليست منّة عسكرية في انقلاب عسكري. لا ينبغي الغرور بهذا السراب الإعلامي المبتذل وعدم رؤية هذا الإنفصام الواقعي ، إنّ هذا اللجؤ المؤقت للسراب الختال ليس له علاقة بالثّورة ، والسراب ببطن البيد - في كل الأحوال -  ختال.

 أوليس الحكم على الظاهر قد يكون مضللاً لإنّه غالباً يناقض الواقع الملموس؟ أوليس من المستهجن التلاعب بالفاظ مثل " المنشق على النظام" للبرهنة على ما ليس أصلاً له برهنة إذ لا يخضع للمنطق والمحك التجريبي ولا يمكن برهنته إلا في تخيلات الذين لم يتعرضوا أصلاً لبطش القذافي ولم يطلهم حقاً استبداد القذافي وبطش وجبروت اعوانه وانانية واستعلاء عناصر نظامه و زيف وتزوير مثقفيه؟

إنّ فكرة القبول بصانعٍ لمستبدٍ متكبر يكمن فيه تزويراً لإرادة وصوت الناس، فالذي كان يمسك بزمام الحكم في ليبيا لم يكن طاغية وحسب بل كان في حقيقة الأمر تعساً يعيش حالات من الرعب والهلع، غير انّ لا أحد يفوق تعاسة المستبد إلا من يقدم على مدحه ورفعه في اعالي السماء بضمير مطمئن ، أو من يتجاهل ذلك ويخادع ضميره، وكذا من يستهجن تاريخ معاناة هذا البلد في قبو " جماهيرية" الطاغية.

 فهل سيقود هذا التمييز الفئوي الجائر إلى نسف مبدأ تكافؤ الفرص وحبسه عن بقية الناس خارج دائرة مركز دائرة العصبية وما يدور في محيطها ، وهل يعني هذا سقوط مشروع الثورة استرضاءً للتمييز الفئوي؟ وهل ينطلق المجلس في اختيارته بقيمه واعلامه ورؤيته المبتسرة ومقاييسه المتحيزة من انغلاقه على ذاته وكأنه فصيل معارض منعزل عن الثورة والناس ونبض الشارع وأسر الشهداء.

 وهل انفتاح المجلس على هذه النماذج والعناصر سيغفره الشعب الليبي الذي ذاق مرارة الأسر لإكثر من اربعين عاماً؟ هل يمكن على الإنسان الليبي أن ينسى ما لاقاه من القتل والتعذيب والسجن والسحل والنفي والتشريد والتعذيب والموت والتهميش والتجهيل والتفقير والتحقير والتنكيل والعبث ؟ ما أرخص كرامة الإنسان ، وما ابشع ثقافة التزوير! ويا مجلس السعد ما الداعي لهذه الإختيارات التعسفية؟

-5-

·        من يرسم مسار هذه الثورة؟  ومع ذلك يبقى أكثر من سؤال:

طبعاً هناك اصوات متحمسة تعتقد بأنّ نقد المجلس غير مفيد وغير مناسب بل ومعيق ولا يخدم المرحلة الراهنة ، فهذ لا اعتراض عليه مطلقاً ، فهو مقبولٌ، مقبول، غير أنّ عليهم أن  يبحثوا عن مواقع الخلل وما الذي يجعل الشباب الثائر يغدو على هامش الثورة السياسية بينما يساهم في قيادتها أعتى انصار القذافي واخلصهم له في ترميم صورته في العالم الخارجي والعربي والأفريقي على حساب معاناة هذا البلد لنيف واربعين سنة.

تقدّم الشباب بالثورة من كلّ جهات ليبيا وصنعوها صناعة عفوية نقية ومعبدة بالدم ولا زالوا يخضون اشرس المعارك في بقاع شتى من ليبيا من اجل التحرير الكامل، وها هم الكهلة مخضرمي التسلق و" الزحف الأخضر" ومتكتكي القاعات الخلفية والتنظيمات السياسية المندثرة يلتفون حولها لجني ثمارها  والتفرد بها بين عشية وضحاها عبر المناورات والدسائس والتكتكيات القديمة في ثوبها التكنولوجي الحديث .

 أهناك ثمة من مشهد سياسي هزيل مثل هذا المشهد؟ هل يدري الناس أن هذا الرهط من الكهلة المخضرمين ليس لديهم الوقت للإنشغال والإهتمام بالثورة الميدانية ، فجلّ انشغالهم اعلامياً تافهاً يخلو من المعرفة الرزينة ويجدف نحو تحقيق مكاسب ومواقع سياسية جديدة يفرضها واقع البلاد الجديد تمليها عليه مصالحهم الذاتية ومساراتهم السياسية مستقبلاً في سباق " نضالات" عقيمة وفاشلة ولا ينفعها حتى الترقيع.
ما يفعله هؤلاء الجهابذة الأفذاذ  الكهلة هو اللّف على الثورة وتوجيه العمل السياسي والتأثير فيه بشتى السبل والمهارات الإعلامية ومهارات المرواغة والدسائس التي تفننوا فيهاو تمرسوا عليها تمرس الثعابين في تلوين جلودها.

هل سيدفع هذا البلد الثمن مرتين ، مرة تحت سطوة وجبروت القذافي ومرة بعده؟ هل سيُكتب على هذا البلد اللعنة على أن لا تقوم فيه "دولة" إلا على القهر والزيف والفهلوة؟ كيف يستقيم أن يجد هذا البلد استقلاله في تقاطع خيوط المواربة مع الأطماع الخارجية والتسلط والتسابق المحموم نحو تقسيم الغنائم السياسية والمادية في لحظة تتزاحم بجثث القتلى ودماء الشهداء واسئلة لا اجابات لها؟
-       هل هذه المرة سيكون بوسع أحد أن يتظاهر بأنه لا يرى فهلوة سياسية تتطاير أمامه وابتهاجاً خادعاً للذات وللآخرين وللسذج وبيداء تشتعل سعيراً ، وكذا وطن ممزق في عراء السياسة؟
-        على كل حال ، الثورة تجلٍ رفيع من تجليات كرامة الإنسان ، فكيف تترك هكذا عرضة للاستغلال والطامحين في جني مكتسباتها؟ هل أصبح المجرى الطبيعي للأشياء مقلوباً في حظرة القبض على المجهول ، وكيف تسنى للمثقف القدرة على إغماض جفنه عن نزيف وطنه؟


 محمد دربي

هناك تعليقان (2):

  1. فعلا كما قال أرسطو: الجاهل يؤكد, والعالم يشكك, والعاقل يتروى.
    يا أخي انت تتكلم وكأنك علي عالم بكل ما حدث في الماضي والحاضر وتخون من تشاء وتزكي من تشاء.
    تتكلم عن عبدالمنعم الهوني وتخونه وتركنه في ركن المتسلقين والخونة وأنت لا تعلم عنه شيء البتّه !!

    لا أريد أن أتجادل معك أخي العزيز، فـكما قال العرب القدامي: لا تتهافت على الجاهل فتتهم في فطنتك ومروءتك... ولأنك لم تقدم أي شيء ملموس الا تحليلات شخصية عارية عن الصحة... فـالحكيم يناقش في الرأي, والجاهل يجادل في الحقائق !

    ولن أقول لك سوى أن الأفعال والأعمال الخفية التي قام بها هذا الرجل تاج فوق رأس كل ليبي حر، منذ انشقاقه عن نظام القذافي في بداية السبعينات...

    مع إحترامي لـرأيك أخي محمد دربي.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    ردحذف
  2. بارك الله فيك أخي محمد .. منذ مدة وأنا أبحث عن مواقف انهزامية لأحمد ابراهيم الفقيه ، فقد كنت أعلم أنه لم ينبس ببنت شفه ضد القذافي ، ولكني لم أعلم ماذا قال من مدائح في هذا الطاغية الا اليوم من خلال مقالك هذا ، وأظن أن موقف ابراهيم الكوني مشابه لموقف الفقيه ! ومن المؤكد وجود كتاب آخرين لهم نفس المواقف المخزية .. ان علينا البحث عنهم وفضحهم الآن حتى لا يخرجون علينا متشدقين بلأكاذيب .

    ردحذف