الاثنين، 5 سبتمبر 2011

د. أحمد سعيد : ثورة بلا رأس


ثورة بلا رأس
د. أحمد سعيد 

كل الثورات التي قامت في التاريخ البشري وكللت بالنجاح كان على رأسها قيادات مؤهلة قادرة على إدارة الصراع، فالثورات: الصينية، والبلشفية، والفيتنامية، والفرنسية، والإنجليزية والأمريكية ... إلخ كلها كانت مخططة ومنفذة بقيادات من هذا النوع.       
لعل من سؤ حظ ليبيا قيام شبابها بالثورة ضد نظام الظلم والطغيان بدون رأس (قيادة) ؛ فغياب القيادة المخططة لها منذ اللحظة الأولى أدى لاحقا إلى بروز العديد من السلبيات التي كان بوسع أي مراقب أن يدركها دون عناء.
ضعف الأداء السياسي والإعلامي للمجلس الوطني وكذلك العسكري الذي يشكو منه البعض راجع بالأساس إلى أن هذين المجلسين ليس هما من قاما بالثورة، فمعظم الأعضاء فيهما لم يكونوا في يوم من الأيام معارضين لنظام القهر ، بل على العكس من ذلك الكثير منهم كان يعمل مع النظام، بل ليسوا ممن يفكر في الثورة أساسا، فحال هؤلاء كحال من وجد نفسه في غرفة قيادة قطار ملئ بالركاب، وهو لم يركب قطارا قط من قبل فكيف له ولأمثاله أن يقود هذا القطار؟ الذي يجد شيئا لم يصنعه يصعب عليه تشغيله وإدارته. هذه هي مشكلة الثورة الليبية منذ البداية ؟ فبطء أداء المجلس ومعظم السلبيات التي يتكلم عنها البعض هنا أو هناك راجعة إلى هذا السبب وهو قيام الثورة بدون رأس مدبر، وتولي إدارتها من لم يصنعها فعجز عن قيادتها؟
الثورة الليبية أشعلها شباب صغار لا يعرفون شيئا عن عالم السياسة وألاعيبها، ولا يعرفون إلا أن هناك ظلما واقع عليهم وعلى وطنهم فهبوا لإسقاط النظام، ولم يكن لهم قيادة أو مخطط لذلك، ولكنهم صنعوا الثورة دون أن يعرفوا إدارتها. وهنا دخل على الخط من لا يحسن قيادة قطارها لما رأوا مقطورة القيادة فارغة، وإذا استثنينا الرجل الطيب مصطفى عبد الجليل الذي جيء به وبعضا ممن في المجلس، فإن الآخرين دخلوا المجلس أو جيئ بهم ظانين أنه كنز المغانم، وأن القذافي سينتهي خلال أسبوعين أو ثلاثة؛ على غرار ما حدث في تونس ومصر؛ ثم يجدون أنفسهم في كراسي الوزارة، ولكن الأمر طال، وبدأت السلبيات وأعراض عدم الكفاءة القيادية في البروز، وكا أول علامات ذلك عجز المجلس وإلى الأن عن إنشاء صفحة قوية على الشبكة الإلكترونية تكون المعبرة عن صوته، ومصدرا موثوقا لأخبار الثورة ومجريات أحداثها بدلا من من الصفحة الهزيلة التي ولدت ميتة، في حين يوجد المئات من الشباب المتخصص الذين لا ينقصهم إلا من يحركهم ويخرج طاقاتهم الهائلة في هذا المجال .. ولكنه القصور ممن احتلوا أماكن ليست لهم وقفلوا الطريق على القادرين؟
ومن مظاهر العجز انتشار المليشيات المسلحة وعدم القدرة على ضبط السلاح، لأن غالب أعضاء المجلس ليس لهم جذور تنظيمية أو شعبية في صفوف الثوار من الأساس ومن هنا لا يسمع لهم أحد؛ وقد ساهم في تفاقم هذه المشكلة قفل الباب على الليبيين في الخارج ممن لهم القدرة على التعامل مع هذه المشكلة وحلها، وهذا نتيجة غياب الشعور بالمسؤلية والروح الوطنية التي تدفع غير القادر على التنحي وإفساح المجال للقادرين؛ ولكنها الأنانية وروح الغنيمة وحب الظهور، ولو كان الثمن نزيف حاد في دماء الوطن.
ومن السلبيات أنه كلما انشق شخص من رجال القذافي أتوا به للمجلس حتى قال أحد الظرفاء: لم يبق إلا القذافي لينشق ويتولى رئاسة المجلس الإنتقالي!
وهناك أنباء يؤيدها الواقع أن محمود جبريل سيأتي - بضغط من القوى الكبرى- بجماعة القذافي للوزارة الجديدة أو اللاحقة؛ فإذا كان لمصر وتونس جيشان نظاميان حققا لهم ما يريدون من الالتفاف على الثورتين وإجهاضهما، فالجيش القادم في ليبيا هو بقايا رجال القذافي الذين يراد فرضهم على الواقع الليبي كي يحققوا لهم ما يريدون؛ وهذا ما سنتولى شرحه في مقال قادم.  
لوكان للثورة قيادة فجرتها أو كان الشباب الذين قاموا بها على درجة من الوعي والتنظيم لكانوا هم من شكل المجلس الإنتقالي وحدد من يدخل فيه؟ خاصة في هذه الفترة الحرجة؛ ومما يدل على سذاجة شباب الثورة سياسيا عدم وجودهم في المجلس الإنتقالي باستثناء المحامي فتحي تربل الذي وضعه خاطفو قطار الثورة معهم في المقصورة ولكن بصورة (لا يهش فيها ولا ينش) مع أن اعتقاله كان الشرارة التي فجرت الثورة؟!
الذي حدث أن تسرب إلى المجلس أكثر من كان يعمل في برامج سيف القذافي، وهؤلاء منهم من جاء بأهل ربعه أو  حزبه!
دخل المجلس في بدايته محمد المفتي وهو شيوعي قديم؛ وما هو إلا أسبوع حتى كان معه المدعو على الترهوني وهو شيوعي! وبعد فترة بسيطة كان في المجلس الشيوعي الذي يفتخر بشيوعيته محمود شمام ولحق بهم من جماعتهم العلاقي، هذا بخلاف البعثيين البعجة وفنوش، ثم وبطريقة ما جيء بمحمود جبريل ويقال أنه يساري أيضا، وقد تسرب خبر أنه فرض على المجلس من قبل القوى الدولية؟! والرجل من رجال الأعمال وقد يكون ناجحا في هذا الجانب، لكن تصرفاته إلى لا  تنبئ عن إداري ناجح، وما يقوله البعض عن قدرته التخطيطية نتيجة سماعهم لما قاله في لقاء تلفزيوني، يدلل على سذاجة سياسية وفكرية في ذات الوقت، فليس كل من قال بعض المعلومات التخصصية في مجال ما  يجعله بالضرورة إداريا ناجحا، كما لاننسى أن كل الذين عملوا مع دكتاتوريين أو أنظمة فاسدة عندما يتحدثون عن تجربتهم السياسية يتكلمون وكأنهم البطل السري الذي كان يعمل في صالح الشعب!
كيف لرجل يقال أنه متخصص في الإدارة وحل الأزمات أن يدير ليبيا بالتلفون من قطر، إن من أكبر علامات الفشل القيادي عدم نزوله للميدان حتى الآن، القائد الإداري الناجح في أزمة مثل أزمة ليبيا هو من يطوف على المدن المحررة يزور المصابين، ويذهب للجبهات يشجع المقاتلين في أحلك أوقاتهم ويشعرهم بالإلتحام بين القيادة والشعب الثائر، لا أن يدير الأمور بالهاتف بحجة الفوضى في بنغازي، وهذه حجة عليه لا له لأن الإداري الناجح هو الذي يملك القدرة على ضبط الأمور لا أن يهرب منها.
والحقيقة أن اللوم  يوجه إلى من أتى به لتولى اللجنة التنفيذية، فالرجل لم يكن في يوم من الأيام معارضا للقذافي المجرم، بل عمل مستشارا لابن الطاغية والله أعلم بما حقق من مكاسب من وراء ذلك سيكشفها التاريخ، عاش في مصر وبعدها في الخليج بمعنى أن الرجل (بزنس مان) لم تكن ليبيا قضيته في يوم من الأيام  ولم يعرف عنه أنه قال للطاغية كلمة لا، كل ما أفلح فيه هو وشمام قفل الباب في وجه الكفاءات الوطنية وخاصة الذين في الخارج والمعارضين منهم بصفة خاصة، الذين قضوا نصف أعمارهم في مقاومة القذافي وإبقاء القضية الليبية حية.
ومن السلبيات إعطائها حقائب وزارية كالداخلية والدفاع لشخصيات طاعنة في السن ومنتهية الصلاحية  ذهنيا وجسميا مثل الضراط والدغيلي، أناس ينسون بالغد ما قرروه اليوم.
دعونا من التصنيف ليبيا لليبيين و (كل شاة معلقة مع عرقوبها) الشيء المهم هو الوطنية! كلمات يقولها بعض الليبيين الطيبين! وهذا الكلام صحيح من حيث المبدأ، ولكن ما يجري على أرض الواقع هو سياسة الإبعاد التي يمارسها هؤلاء؟
شمام والذين معه قفلوا أبواب قناة ليبيا الأحرار في وجه الشخصيات التي لا تعجبهم أو تخالفهم في التوجه وخاصة المعارضين الليبيين الذين في الخارج، في الوقت الذي فتحوا فيه أبواب اللقاءات لأناس لا يقدمون للمشاهد ما يفيد، علما بأن القناة أنشئت بأموال قطرية، ولكنه ومن معه يتعاملون وكأن القناة ملكية خاصة بهم!؟ كيف يعقل إجراء اللقاءات مع العوام وتجاهل رموز معارضة لسنوات طويلة؟ مثل المجريسي ومفتاح الطيار ومحمد بن حميدة وسليم الرقعي الذي كتب عبر السنوات العشر مئات المقالات المحرضة لليبيين والفاضحة للقذافي ولنظامه الإجرامي مالم يكتبه معارض في الدنيا وغيرهم كثير؟! أمثال هؤلاء لا يريد شمام أن يرى وجوههم في القناة التي يرى أنها ملكا شخصيا له، وأتي لأدارتها بأناس من نفس طينته إمرأة تريد الزواج بأربعة رجال >>>>،  ويقفل إدارتها في وجه الشرفاء من أبناء ليبيا، كيف يعقل أن تفتح (قناة الآن) الكويتية أبوابها لمعارضين ليبيين يتكلمون فيها عن الشأن الليبي وقتما يشاؤون وتقفل قناة ليبيا الأحرار أبوابها في وجوههم؟!
لم يكن شمام معارضا حقيقيا لنظام القذافي في يوم من الأيام، والظهور في بعض اللقاءات التلفزيونية ونقد النظام في مسألة تحديد يوم العيد الأضحى وأمثال هذه المسائل لا يصير الإنسان في صف المعارضين، فحتى الصحفيين يقومون بهذا الدور؟
 لقد كان محمود شمام حجر عثرة في عودة بعض الناس ممن أسسوا بعض الأعمال لصالح الثورة في الداخل في أيامها الأولى، فحال شمام دون عودتهم إلى ليبيا عبر طائرة الإغاثة القطرية لمجرد كونهم من الإسلاميين الذين يكرههم كما  يكره أحدنا الموت، فكيف لعقليات مثل هذه تتكلم عن الديموقراطية والحرية ليل نهار في الفضائيات وعند الممارسة يظهر خلاف ما يدعون، والشيء نفسه يمارسه أناس في المجلس الانتقالي - بطريقة ما - وهو قفل باب المجلس في وجه الكفاءات الليبية التي في الخارج خاصة من وجوه المعارضة التي ينظرون إليهم كمنافسين لا يرغبون في عودتهم، كما لم يبذل المسؤولون في المجلس الجهود الكافية مع النظامين المصري والتونسي اللذين يمنعان الليبيين المطلوبين من القذافي من العودة عبر أراضيهما؟! فحتى الآن لا زال الكثير من الليبيين محرومين من العودة بسبب هذه الإجراءات البوليسية من أنظمة الإجرام الحاكمة لهذين القطرين الشقيقين!؟ لقد عجز المجلس حتى عن توفير سفينة منتظمة لليبيين الذين يريدون العودة إلى وطنهم أو مغادرته إلى أوربا عن طريق تركيا أو مالطا أو أي دولة أوروبية فضلا عن طائرة، ولا يدري المرء أهذا قصور أم تقصير أم إهمال متعمد؟ بدل الإذلال الذي تعرض له كثير من الليبيين في مطاري القاهرة وقرطاج وأعادتهم وكأنهم مجرمين قائلين لهم أنتم خطر على الأمن الوطني؛ فخسروا أوقاتهم وثمن التذاكر واحترقت أعصابهم في مطارات دول الإرهاب هذه ثم أعادوهم من حيث أتوا، وفيهم من كان محروما من العودة إلى ليبيا أكثر من عشرين سنة؟!
هذا المقال ليس للنقد من أجل النقد؛ ولكنها كلمة تحذير لكل الليبيين أن ينتبهوا لثورتهم من أن يخطفها اللصوص والمنتفعون وتجار الأزمات وأغنياء الحروب، على الليبيين أن يحولوا دون تولي غير المؤهلين والنفعيين والقبليين المناصب القيادية في ليبيا، على الليبيين ألا يسمحوا لرجال القذافي من اللجان الثورية وغيرهم أن يتولوا أي منصب في ليبيا المستقبل بحجة أنهم ليبيون وأنهم انحازوا للثورة وعفا الله عما سلف، إن الليبيين إذا فعلوا ذلك فسيندمون حين لا ينفع الندم. من يظن أن ليبيا ضيعة أو لقطة سائبة لأصاحب الأطماع الشخصية أو الجهوية أو القبلية أو الحزبية، ليبيا لليبيين جميعا، ومن يحاول أن ينفرد بها لحساباته الشخصية أو لأي جهة كانت فلن يجني إلا الشوك، فلا يظنن أحد أو أي جهة ولو كانت دولية أنها ستفرض على الليبيين أي نظام غير ذلك الذي سيقرره الشعب الليبي، ومن يظن ذلك فعليه أن يتذكر أن الليبيين لن ينسوا درسا قاسيا أخذوه في اثنتين وأربعين سنة، وكان ثمن استيعابه أكثر من ثلاثين ألف شهيد، فلا أظنهم سيسلمون قيادهم ويتنازلوا عن حريتهم في تقرير مصيرهم لأي كان، ومن يفكر في ذلك مستقبلا فسيكون مصيره مثل مصير نمرود سرت، فالظن أن الليبيين قد وعوا الدرس وياله من درس.

هناك 5 تعليقات:

  1. لايعيب الرجل اذا كان شيوعيا اوعلمانيا اواسلاميا او يساريا او يمينيا فلا نحكم على الناس بسبب اتجاهاتهم فكلها تيارات اصيله افرزها التاريخ نتيجه الصراع السياسي فيجب الانختزل الثوره فى بعض الثوار او بعض الشباب اوالائتلافات ونقع فى خطيئه الاقصاء التى عانينا منها جميعا فى مرحله الاستبداد والفساد فليبيا للجميع وتسع الجميع والمصلحه العليا تستدعي ان الجميع يعمل من اجل الوطن وان نأجل الخلافات وان نبتعد عن لغه التخوين والاقصاء

    ردحذف
  2. "هذا المقال ليس للنقد من أجل النقد"

    صحيح بل للتدمير والفتنه
    كل الليبيين خونه وشيوعيين الا انت راجل ووطني === لعنة الله على الفتانين فى الدنيا والاخرة

    د احمد بريطانيا

    ردحذف
  3. انا شايف انك متحامل على الشخصيات التى ذكرت
    وانى لاشعر متيقنا انك احد انصار تيار اخر موجود ويريد ان يستاثر بالامور ...حنانيك يا مولانا

    ردحذف
  4. الشباب الى تحكى عليهم قاموا باعظم ثوره فالتاريخ موش كيفك كملت عمرك تخرط برا مادرت شى

    ردحذف
  5. هذا الرجل من نوع الذي لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب، ويبدو أن خلاصة كلامه لليبيين: ( لوكان خليتو القذافي خيرلكم من هالخللطة العجيبة). الليبيون هم الرؤوس. انتهى عهد الرؤوس الفردية المتسلطة.

    ردحذف