الاثنين، 26 سبتمبر 2011

إبراهيم حسن ونيس العوامى : أمـوال الليبيين بيـن تجميد الخـارج ومتاهـة الداخـل


إبراهيم حسن ونيس العوامى
أمـوال الليبيين بيـن تجميد الخـارج
ومتاهـة الداخـل
   التاريخ : 25/9/2011

ممـا لاشك فيه أن  التصريح الذي أدلى به السيد المستشار/مصطفـى عبد الجليـل بوجود فساد أدارى ومالي خلال الفترة الماضية من الأزمة يجب الوقوف على هذا الموضوع مع العلم بأنه لم يحدد تلك الانتهاكات أو هوية مرتكبيها , إلا أن الأمر يتطلب قبل تشكيل أي حكومة أخرى ضرورة الكشف عن هذه المخالفات التي قد ترقى إلى جرائم جنائية قد تؤثر على المسئولين بحكومة الأزمة السابقة التي نراها تتصدر المشهد التنفيذي القادم وبناء على ماتقدم سوف نتناول بعض الجوانب القانونية التي يستوجب على المجلس الوطني اتخاذها من أجل حماية أموال هذا الشعب سواء من خلال إدارة المرافق العامة أو في صورة حسابات جارية أو أملاك عقارية بظل أهم مرحلة تاريخية من هذه الثـورة.


المحور الأول :
               الأسباب القانونية التي اتخذها المجتمع الدولي لحماية أموال الليبيين ومؤسساتهم  

إن المجتمع الدولي عندما اصدر قراري (1970- 1973) كان ذلك بموجب ميثاق الأمم المتحدة,وذلك نتيجة لوجود انتهاك لقاعدة قانونية دولية من قبل القذافى وكتائبه تهدد أرواح الشعب الليبي وممتلكاته من أجل حماية الشعب الليبي وأمواله لذا تضافرت جهود المجتمع الدولي ابتداء من دول مجلس التعاون الخليج العربي,مرورا بمنظمة جامعة الدول العربية,انتهاء بمؤسسات المجتمع الدولي الذين قرروا وقف الضرر الناجم عن هذا الاعتداء وذلك باعتباره يهدد السلم والأمن الدوليين معا، وتم عرضه على اكبر منظمة ينضوي تحتها المجتمع الدولي ألا وهو مجلس الأمن الذي أصدر قراره الأخير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والذي يحتوى على تدابير قسرية ومن بينها استعمال القوة وذلك من أجل إجبار القذافى على احترام شعبه أولا ومن ثم حثه على احترام الالتزامات الدولية ثانيا, كما تضمن القرار الأخير عدة إجراءات قانونية وتدابير قسرية وهى كما يلـي:-
1- القيام بالحظر الجوى لحماية الليبيين المدنيين .
2- إيقاف المؤسسة الوطنية للنفط وجميع الشركات المنتجة للنفط الخام بليبيا .
3- تجميد جميع أموال المؤسسات المالية التابعة لمصرف ليبيا المركزي سواء أكانت بالداخل أم بالخارج وكذلك أرصدة القذافى الشخصية وأرصدة أبنائه وأتباعـه.


ومـن خلال مطالعتنا للإجراءات القانونية التي اتخذها المجتمع الدولي نجدها تهدف إلى مجموعة من الالتزامات يمكن حصرها في الآتي:-
أ‌-     إجبار حكم القذافى على ضرورة احترام الالتزامات الدولية .
ب‌- تضيق الخناق على القذافى ومؤسساته وذلك بفرض إجراءات الحظر والمقاطعة الاقتصادية.
ج- القيام بالمحافظة على حقوق الشعب الليبي وثرواته ذلك بفرض إجراءات التجميد وعدم تركها للعبث وإنمـا ما أشار إليه السيد الدكتور: محمود جبريل رئيس المجلس التنفيذي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بطلب رفع الحظر على جميع الأرصدة المالية والمؤسسات الاستثمارية  فان هذا لايتاتى إلا بعد الإسراع بتشكيل لجنة لوضع دستور دائم والعمل على إدارة الانتخابات الدستورية وتشكيل مؤسسات دستورية تحكمها قانون الحوكمه والإفصاح ولو سلمنا جدلا" بموافقة المجتمع الدولي على ذلك فانه ستكون الموافقة على الإفراج بصورة جزئيه لقضاء الحوائج الضرورية التي يطلبها الليبيين بهذه المرحلـة.
   
فـإذ كان هدف المجتمع الدولي الحرص الكامل على ثروات الشعب الليبي, فمن باب أولى قيام المجلس الوطني الانتقالي ومكتبه التنفيذي بهذا الدور حيث إن الاعتراف القانوني الكامل لا يتأتى إلا بضرورة السيطرة التامة على مؤسسات الدولة الداخلية فمن وجهة نظر فقهاء القانون الدولي تعتبر الدولة كواقعة  قانونية تتكون من شعب وإقليم وحكومة وسيادة تقوم بممارسة اختصاصاتها الإقليمية بشكل جامع فوق ماهو موجود على إقليمها من أشخاص وأموال, سواء كانت أموال وطنية أم أجنبية.
    
فـإذا رغب المجلس الوطني الانتقالي المؤقت الحصول على الاعتراف القانوني الكامل يجب إعلان التحرير وفرض سيادته على جميع الاراضى الليبية وسيطرته على جميع المؤسسات وإلغاء أي جهة سابقة في الحكم السابق كانت تملك حق التصرف في إدارة هذه المرافق.
       
و يجـب هنا تسليط الضوء على أمر هام وخطير وهو اعتقاد كثيرا من أفراد الشعب الليبي بان الاعتراف الدولي بالمجلس الانتقالي جاء نتيجة وجود فلان أوعلان وكأن الثورة أصبحت معلقة برقبة شخص واحد وعلية أنبه هذا الشعب الحر أن يثق بنفسه وبثوارة البواسل أولا ومن ثم المجلس الوطني الانتقالي ثانيا .
       
فمـن المعروف أن  الحراك الدبلوماسي ما هو إلا وسيلة للاتصال فقط وإنما كانت تجني الانتصارات الدبلوماسية عن طريق ثوارنا الموجودين على الجبهات فهم من كانوا ينزعون الاعترافات الدولية وهذه الحقيقة تأكدت عند قيام الثوار بتنفيذ عملية ((فجر عروس البحر بطرابلس)) والدخول على القذافى في قصره بباب العزيزة, حيث تداعت أغلب الدول بالاعتراف بالمجلس الانتقالي كممثل شرعي للشعب الليبي بما فيهم الدول التي تلكأت في بداية الأمر وهي ( روسيا والصين والاتحاد الأفريقي )

 ولم يكن للدبلوماسية الخارجية الليبية اى دور في هذه الاعترافات, وهذا دليل قاطع لايقبل الشك ، وعلى الشعب الليبي والمجلس الوطني الانتقالي وأي حكومة تشكل في هذه البلاد أن تقف إجلالا وإكبارا لهؤلاء الثوار ونقدم آيات العرفان والتقدير إليهم والترحم على أبطالنا الشهداء بكل لحظة فهم الذين سطروا التاريخ الليبي  بمدد من الدماء الغالية وستكون هذه الثورة هي ملحمة ليبيا وستبقي علما" بارزا" في التاريخ الانسانى وصفحة من صفحاته الواهجه.  

المحور الثاني : كيفية الحفاظ على أموال الشعب الليبي من قبل المجلس الوطني الانتقالـي ...

يجـب على المجلس الوطني الانتقالي وضع قيود صارمة على جميع المرافق العامة وذلك بإصدار قرار تحفطى على هذه المرافق سواء على إدارتها أو حساباتها بالمصارف الداخلية أو الخارجية وخصوصا البنك العربي الليبي الخارجي الذي كان يتولى كافة النشاطات المصرفية وعمليات التمويل الخارجية و كما يوجد لديه عدة مساهمات واستثمارات خارجية منتشرة على مستوى دول العالم.
وعليه فان تحديد تلك المرافق ابتداء من أعلى هرم أدارى بالدولة السابقة إلى أدنى إدارة تابعة لها يعتبر  أمرا هاما وملزما بهذه المرحلة ولقد جاءت المادة (87) من القانون المدني بتعريف الأموال العامة بأنهــا ( تعتبر أمولا عامة العقارات والمنقولات التي تكون مخصصة للمنفعة العامة بمقتضى قانون أو مرسوم) الأمر الذي نرى معه تحديد تلك المرافق تحديدا" دقيقا وواضحا سواء بالمرافق الداخلية أو المؤسسات الخارجية ويجب على أي وزارة تتبعها أي مؤسسة إدارية أو مالية ،أو اقتصادية، تكون هي المسئولة عن أعمالها مسؤولية مباشرة أمام المجلس وهني يجب تنبيه المجلس الوطني الانتقالي بهذه المرحلة التاريخية بأنه يجب أن ينفتح على الشعب الليبي ويقوم بمشاركة المجتمع المدني والاعتماد على النقابات المهنية المتخصصة مثل نقابة المهندسين والمحاسبين والمصرفين وجميع النقابات ذات الصلة بأي مرفق باعتبارهم هم صناع هذه المهن وهم من لديهم الخبرة والقدرة على معرفة هذه المرافق وبإتباع هذا الإجراء يتولى المجلس بسط سلطاته الداخلية ويكون قد فرض سيادته على جميع التراب الليبي وبشكل فعلى وهذا ما قضت به المادة (88) من القانون المدني التي نصت على انه (( تفقد الأموال العامة لصفتها بانتهاء تخصيصها للمنفعة العامة, وينهى التخصيص بمقتضى قانون أو مرسوم ينهى الغرض الذي خصصت من أجله تلك الأموال العامة)).
ومـن خلال ما تقدم يجب على المجلس الوطني الانتقالي بهذه المرحلة قبل تشكيله للحكومة إصدار تشريع أو قرار لحماية مؤسسات الدولة وأموالها باعتبار المرحلة الحالية مرحلة ثورة وإنهاء نظام سابق وتدشين نظام جديد يهدف للحرية والعدالة والديمقراطية وقيام المجلس بهذه الخطوات هو الإقرار بالحكومة الجديدة التي حلت محل الحكومة السابقة وتتويج لثورة (17 فبراير) ويجب أن لايعهد للحكومة التي يتم تعينها خلال الأيام المقبلة إدارة هذه الأموال إلا بعد تأسيس مؤسسات الدولة فعليا وإحكام الرقابة عليها بموجب التشريعات النافذة التي تنظم ديوان المحاسبة ولجنة الشفافية التي تم تشكيلها من قبل المجلس الوطني الانتقالي.

وان السوابق التشريعية في تاريخ ليبيا  تؤكد لجوء جميع السلطات المتعاقبة على حكم ليبيا صدور مجموعة من التشريعات لحماية هذه الأموال ومن أهمها المنشور رقم (86) الصادر من المعتمد البريطانـي بتاريــخ (09/ابريل/1951) والمرسوم الملكي بشان تنظيم الحراسة على بعض الأملاك الصادر بتاريخ (6/ نوفمبر/1955).
وتأسيسا على ما تقدم ذكره نتخلص إلي ما يلي :
أولهمـا :يجب على المجلس الوطني الانتقالي إحالة كافة ملفات الفساد الادارى والمالي التي أشار إليها السيد المستشار/مصطفى عبدا لجليل إلى لجنة الشفافية التي أعلن المجلس على تشكيلها فإذا ثبتت هذه المخالفات سواء عن طريق القصد أو الخطأ فلا مناص بعد ذلك بإحالة كافة الملفات إلى القضاء،حتى يعاقب مرتكبي هذه الأفعال بموجب القوانين المعمول بها،ولا يعفى المجلس التنفيذي من المسئولية في حال ثبوت ارتكاب هذه الأفعال.
ثانيهما :يجب الاهتمام بأسر الشهداء والجرحى والمفقودين والثوار الموجودين على الجبهات لما بذلوه من دمائهم وجهدهم مما أدي إلي انتصار هذه الثورة والاعتراف الدولي كما انه يجب الاهتمام بمن تم قمعهم في السجون السياسية وإعداد خطة واضحة تضمن لهم حياة كريمة بهذه المرحلة وإعطائهم الأولوية في اى خطة تنموية تسعى إليها الدولة الحديثة في ليبيا.
ثالثهما :إصدار قانون أو قرار من قبل المجلس الوطني الانتقالي المؤقت يقضى بالتحفظ على مرافق الدولة السابقة من أعلى السلم الادارى للدولة والمتمثل في مؤتمر الشعب العام إلى أدنى إدارة ينطبق عليها أحكام القانون العام وتكون أموالها أمولا عامة بحيث يتم التحفظ على تلك الأموال سواء في صورة ملكية عقارية أو أرصدة بالبنوك الداخلية أو الخارجية وعلى مصرف ليبيا المركزي تنفيذ هذا التحفظ ولا يجوز الإفراج على تلك الأموال إلا عند صدور دستور واضح يتفق عليه كامل الشعب الليبي ,يلبى طموحاته ويحافظ على حقوقه,وبرلمان منتخب يمثل كافة الشعب الليبي.
وختاما لذلك لايجوز المساس بتلك الأموال خلال المرحلة الانتقالية إلا من خلال ميزانيات محددة لكل حقيبة وزارية وتحديد النفقات التي يرغب المجلس الوطني بإنفاقها على هذا الشعب بهذه المرحلة الهامة والقصد من ذلك هو الحماية القانونية للأموال العامة وذلك بسبب الفترة الانتقالية التي حددها المجلس الانتقالي بمدة ثمانية أشهر بموجب الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ ( 3/8/2011 ) والذي بموجبة وضح الشكل القانوني لإدارته للبلاد بالفترة القادمة وبالتالي يعد هو أساس نظام الحكم إلي أن يتم القضاء بالكامل على نظام القذافي وتحرير كامل البلاد وأي مخالفة لذلك يعتبر عمل غير دستوري .
وفقكـم الله
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته

                                                                 إبراهيم حسن ونيس العوامى
باحث قانوني بالشؤون المصرفية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق