الاثنين، 22 أغسطس 2011

الدكتور صهيب السقاز : الثورة في بيان شرعي


الثورة في بيان شرعي
بقلم : الدكتور صهيب السقاز
أولاً: لقد امتثل الشعب الليبي لما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم  من الصبر على جور ولي الأمر
وتجافى عن فتنة الخروج عليه فصبر على الحيف والفساد وقتل السجناء والأبرياء أربعين عاماً، وقد بلغ بهذا الصبر مبلغاً فوق الصبر على جَلْد الظهر وأخْذ المال الذي جاء به الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم  . 


ثانياً: المظاهرات التي خرجت في أول الأحداث في بنغازي ليست بغياً ولا خروجاً على ولي  الأمر، لأن البغي الذي يأذن لولي الأمر بقتال الخارجين عليه لا بد أن يكون مغالبة مصحوبًا باستعمال السلاح. وهذه المظاهرات خلت من أركان البغي فانتفى عنها الوصف والحكم. وهي مظاهرات سلمية مشروعة في الدين لأنها من إنكار المنكر والأمر بالمعروف.
ثالثاً: لما واجه القذافي المظاهرات السلمية بالرصاص الحي أشعل بذلك الفتنة وخان ولاية الأمر باستباحة دماء إنما أوجب الله على الرعية طاعته ليحفظها لا ليستبيح قتلها ظلماً وفساداً.
رابعاً: قياماً بواجب العالم الناصح أفتى الدكتور الصادق الغرياني بوجوب الخروج إلى الشوارع إنكاراً لظلم ولي الأمر الذي بدأ بقتل المتظاهرين فاستجاب له كثير من أبناء الشعب. وردوا الأمر إلى العلماء أولي الأمر المستنبطين فخرجوا للتظاهر لا يحملون سلاحاً، لكن الظالم ازداد طغياناً وبغياً وإسكاتاً لكل إنكار. 
خامساً: ما بدأ به القذافي من قمع المظاهرات بقتل المتظاهرين برصاص القناصين ورصاص غيرهم يُعدُّ في نظر الشرع كبيرةً من أعظم الكبائر وقتلاً متعمداً لنفوس المؤمنين بغير حق.
وما فعله القذافي بعد هذا القمع والقنص من قصف المدن بالراجمات ومحاصرتها بالدبابات وترويعها بالمفخخات يُعدُّ في نظر الشرع حرابةً ونقضاً وخيانة لولاية الأمر ويجعل طاعتَه في ذلك عوناً على قتل المسلمين وانتهاكِ حرماتهم.  
سادساً: ما فعله القذافي من قتل وقصف وحصار لا يجوز له شرعاً حتى لو كان خروج الخارجين عليه بغياً على ولي أمر شرعي. لأن الشرع لم يأذن لولي الأمر في قتال البغاة بمثل ما فعله القذافي. فلا يجوز للولي في الشرع أن يقاتل الخارجين قبل أن يسألهم عن سبب خروجهم, فإذا ادعوا مظلمة وجب عليه أن يرد المظالم ثم يدعوهم بعد ذلك للطاعة, فإن لم يعودوا قاتلهم. وليس له أن يقاتلهم بما يَعُمُّ إتلافُه وخطرُه من قصف بالصواريخ والمدافع التي تعم بالقتل والترويع الذريةَ والنساءَ من غير تفريق بين الخارجين والقاعدين.
سابعاً: نصحح مفهوماً دَرَجَ عليه فريق من الناس حسبوا أن كل خروج على الحاكم بغيٌ وفتنة. والصحيح في الشرع أن الحاكم يمكن أن يكون هو الباغي، وأن الخارجَ عليه بحق يمكن أن يكون هو العدل، ويمكن في الشرع أيضاً أن ينقلب القعود عن قتال الحاكم ليكون عين الفتنة. والقذافي اليوم بما ظهر من جرائمه في الماضي والحاضر هو الباغي والمحارب. 
سبق منه قتل السجناء وتعليق الأبرياء على المشانق في ساعة الإفطار من رمضان ثم ختم جرائمه بقتل العزل المتظاهرين وقصف المدن بالراجمات والطائرات والبارجات واستعان على رعيته بمن هتك الأعراض، ولم يسبقه في ما فعله برعيته حربي ولا محارب. وهذا هو البغي بل البغي دونه.  والخروج على مثله لنصرة المظلومين وحجز الظالمين ومنعهم من سفك الدماء وهتك الأعراض خروج بحق وليس بغيًا.
ثامناً: ما فعله زبانية القذافي من خطف النساء واغتصابهن في حالات تعد بالمئات أبطل كل عذر ونفى كل شبهة في حكم الخروج على القذافي، بل كشف وأبان لكل متردد أن الفتنة كل الفتنة في السكوت والقعود عن حجز كتائبه عن غيهم واعتدائهم على أعراض المؤمنين والمؤمنات.
تاسعاً: الاختلاف السابق في تكفير القذافي لا يغير حكم الخروج عليه اليوم. لأن الشرع أوجب على المسلمين طاعة الحكام تحقيقاً لمقاصد الشرع في حفظ الدين والنفس والعرض والعقل والمال. وقد أصبح القذافي أعظم خطر على الدين بنظرياته وزندقته، وعلى النفوس باستباحتها، وعلى الأعراض بانتهاكها، وعلى الأموال بإهلاكها. وطاعته تناقض مقاصد الشرع. فقد أعلن عن اقتداءه بمن سحن الطلبة ودمر الفلوجة. وبدأ بتنفيذ وعيده وزاد جنوده على ذلك بانتهاك الأعراض. ومع ذلك كله تهون المفاسد التي تحقق ضررها في ما سبق من حكمه إذا قورنت بالمفاسد التي يُقدر ضررها إن استعاد القهر والغلبة. فاستقر النظر على القطع بأن من أعظم المفاسد دوامُ حكمِه من غير تطويل وتدقيق في ثبوت كفره أو انتفاءه. 
عاشراً: تَدَرَّجَ حكمُ الخروج على القذافي من التحريم إلى الوجوب.  فلما كان حكم الخروج مبنيا على الموزانة بين المفاسد والمصالح ترتب على ذلك اختلاف هذا الحكم باختلاف رجحان إحدى الكفتين في حال دون حال.  وحُكْمُ القذافي زاد على أربعين عاماً لا تنفك عن اضطرابات وتقلبات تَقَلَّبَ معها كل وزن. لكن نَشْرَ القتل والاستعانةَ على العزل بالمرتزقة الذين لا يجمعهم دين ولا يضبطهم قانون نزل بكفة المصالح المرجوة بخلعه إلى قرارها وطاش بكفة المفاسد المحذورة وأصبح لزاما على الرعية أن تتناصر وتجتمع على خلعه ودفع بغيه وعدوانه.
أحد عشر: طاعة القذافي لم تثبت على الرعية ببيعة شرعية ولا باستخلاف من ذي بيعة وإنما وجبت طاعته دفعاً لمفسدة تحققت بالقهر والغلبة. فلما فقد القذافي غلبتَه في المدن المحررة فَقَدَ معها ما يوجب على الناس طاعتَه وصار واجباً على الناس أن يتخذوا ولياً تجتمع عليه الكلمة والمنعة والشوكة والنصرة. وتحقق ذلك بتأسيس المجلس الوطني الانتقالي.
ومن المقرر أن الإمام َإِذا ثَبت إمامتُه بالقهر وَالْغَلَبَة ثمَّ جَاءَ آخرُ فقهره انْعَزل وَصَارَ القاهر إِمَامًا.
ثاني عشر: من الملاحظ أن القذافي مع استمراره في سفك الدماء يعلن في إعلامه فتاوى بعض العلماء يبرر بها جرائمَه ويستعين بها لحشر أنصاره وتضليلهم. وفي واقعنا أطراف مبتورة وأيتام مقهورة ودماء لم يتوقف سفكها وأعراض مغتصبة لم يُجبر كسرها. وقد كان المفتون في ما هو أقل من ذلك حملاً يتدافعون الفتيا ويود كل واحد منهم لو أن أخاه كفاه. 
ونذكر كل ناصح أن واجب النصح يجب أن لا يخلو من تذكير وإنكار على إسراف الطاغية في مواجهة شعبه فحتى لو كان الشعب بهذا الخروج باغيا على إمام العدل لم يكن للإمام أن يسلط عليهم جندا فاسقين ينتهكون الأعراض ويقتلون العزل الأبرياء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق