بعدما استبشر الليبيون خيرًا بالاتفاق الذي وقعته حكومة الوفاق الوطني مع حرس
المنشآت النفطية لاستئناف تصدير النفط من مينائي السدرة ورأس لانوف، أربك اللواء المتقاعد
خليفة حفتر اللعبة السياسية من جديد، بعدما قام بتوجيه القوات التابعة له إلى منطقة
الهلال النفطي، وسيطر عليها.
وفقًا لقرارات مجلس الأمن الدولي، كان من المفترض أن تذهب عوائد صادرات النفط
إلى حكومة الوفاق، لكن المشهد الآن، بعد سيطرة قوات حفتر على الموانيء النفطية، يبدو
في غاية التعقيد.
تلتهب معظم الأراضي الليبية بالمعارك، بيد أن المناطق التي تطفو على بحر من
الذهب الأسود تظل الهدف الرئيس أمام الأطراف الليبية المتنازعة، فالسيطرة على رئة الاقتصاد
الليبي، المتمثلة في منطقة الهلال النفطي، يراها الليبيون بمثابة ورقة قوية بإمكانها
حسم الصراع الدائر في البلاد.
يذكر أن إيرادات موانيء المثلث النفطي، رأس لانوف والسدرة والبريقة، التي تقع
الآن تحت سيطرة قوات حفتر، تمثل أكثر من 90% من خزانة الدولة الليبية.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ تبع الخسارة العسكرية خسارة سياسية، تمثلت في
انحياز مؤسسة النفط، بإدارتيها في طرابلس وبنغازي، إلى جانب حفتر، وإعلانهما استئناف
تصدير النفط.
وبعد يومين فقط من سيطرة قوات حفتر على الموانيء، غادرت ميناء رأس لانوف ناقلة
محملة بالنفط إلى إيطاليا، في أول إعلان عن شحنة يتم تصديرها من أكبر موانيء التصدير
الليبية، منذ بدء المعارك التي شهدتها منطقة الهلال النفطي عام 2014.
ناقشت حلقة الأحد الماضي من "تقدير موقف" دلالات وتبعات هكذا تغير
قد يقلب الطاولة بأكملها، ويغير تمامًا من ملامح المشهد الليبي، وطرحت الحلقة عددًا
من التساؤلات الهامة:
· ما هي دلالات هجوم القوات الموالية لحفتر على موانيء
الهلال النفطي الليبي؟
· إلى أية جهة تدين المؤسسة الوطنية للنفط بالولاء؟
· ما حقيقة وجود دعم دولي وإقليمي لحفتر في تحركاته؟
· ما هي مآلات الأزمة الليبية في ظل تمدد تنظيم الدولة
الإسلامية؟
وصف الدكتور عمر عاشور، أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة إكستر البريطانية، هجوم
حفتر واستيلاءه على موانيء منطقة الهلال النفطي الليبية بـ"ضربة معلم،" مرجحًا
أن اللواء الليبي المتقاعد "استطاع الاتفاق مع بعض مشايخ القبائل في الشرق، لا
سيما من أجدابيا."
ورأى عاشور كذلك أن حفتر لا شك وأنه "تلقى دعمًا خارجيًا لا سيما فيما
يتعلق بالغطاء الجوي لتحركاته."
كما جادل عاشور أن ليبيا أصبحت "بعيدة للغاية عن التوافق بين قواها الأساسية،"
لافتًا إلى أن "الصراع صار شديدًا ودخلت قوى جديدة عليه."
في المقابل، رأى الدكتور مروان قبلان، مدير وحدة تحليل السياسات بالمركز العربي
للأبحاث ودراسة السياسات، أن "الوضع في ليبيا سيستمر كما هو عليه أو سيذهب إلى
التسوية،" التي رجح أنها "ليست مستحيلة وأن حالة البلاد أقل تعقيدا من الأوضاع
في سورية."
وقال قبلان إن "توقيت هجوم حفتر على المنشآت النفطية تزامن مع تقويض حكومة
السراج سياسيًا ليلحقها بالتقويض العسكري،" مجادلًا بأن "المعضلة الحقيقية
في ليبيا تكمن في وجود حكومة تحظى بدعم دولي ولكنها لاتملك شرعية قانونية وشعبية داخليًا."
وأضاف قبلان أن "كابوس الغرب في ليبيا هو أن تسيطر داعش على المنابع النفطية،
وأن دعم حكومة الوفاق كان لهذا السبب."
كما عبر عن استغرابه من "قرار الغرب بإسقاط القذافي، رغم أنه منحهم النفط
وضبط لهم الحدود من الهجرة الغير شرعية وحارب الإسلاميين."
وجادل الدكتور إبراهيم فريحات، أستاذ تسوية النزاعات بمعهد الدوحة للدراسات
العليا وجامعة جورج تاون، أنه بالرغم من "أهمية العامل الاقتصادي في حسم نتائج
الهجمات التي شنها حفتر وقواته، فإن العامل السياسي ربما تفوّق في أهميته على العامل
الاقتصادي."
وأضاف فريحات أن "عدم مشاركة حفتر في الحرب على تنظيم الدولة وضعته في
موقف سياسي حرج،" الأمر الذي جعل من الضروري "تحقيق انتصار عسكري حاسم تكون
له انعكاسات سياسية، ويثبت أن حفتر لا يزال يمثل الطرف الأقوى في ليبيا، من أجل الحفاظ
على شرعيته."
ورأى فريحات أن "جزءًا كبيرًا من الأخطاء في ليبيا حصلت من الثوار أنفسهم،"
مرجحًا أن "الوضع الأمني في ليبيا سيتدهور أكثر من الوقت الحالي وأن داعش ستعود
بشكل أقوى من ذي قبل."
وفي الصدد ذاته، قال علي أبو سدرة، الخبير القانوني الليبي، إن "سيطرة
حفتر المؤقتة على الهلال النفطي تؤدي لاستمرار عملية النزاع، ما قد يؤدي للانفصال أو
التدخل الأجنبي أو التوافق،" محاججًا أن "حفتر ستزداد شعبيته دوليا وداخليا
للوهلة الأولى، ولكن النزاعات المسلحة تهدد استقراره."
ورأى أبو سدرة أن "هناك رؤىً تشير إلى رغبة في تقسيم الدولة الليبية، لأن
يكون شرقي البلاد الغني بالنفط تحت إدارة مصر، كما يحلم السيسي،" على حد تعبيره.
للاطلاع على المزيد من النقاشات والطروحات، يمكنكم مشاهدة الحلقة كاملة على
موقع التلفزيون العربي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق