قبل أن يذهب
ذاهب مذاهب شتى ويتساءل قائلاً : من أنتم وباسم من تتكلمون ؟ فإني أتحدث
باسم من يقول بقولي ويرى رأي، أما من نحن
؛ فنحن إسلاميون وهم من يرتضون الإسلام
منهج حياة يحتكمون إليه ويحكمونه في جميع شؤون حياتهم ، وأعتقد جازما بأنني لوكنت
لأقيّم المجتمع الليبي لأمكنني القول بأن ما لايقل عن90% من الليبيين إسلاميون ، وذلك لأنك لو سألت
أياً منهم ، كبيراً كان أم صغيرا، أمياً أم متعلماً ، بل ملتزماً بأوامر
الإسلام أم مقصراً فيها ، وقلت له : هل ترضى بالإسلام
منهجاً يسير حياتك ، ويوجه سلوكك؟ لقال لك وبكل ثقة .. نعم ، وقد يضيف شريطة أن
يكون إسلاماً وسطياً معتدلاً بعيداً عن التطرف وهو محق في ذلك ، فالتطرف والتعصب
منبوذ شرعاً وعرفاً والاعتدال مقبول شرعاً وطبعاً . وكل شيء زاد عن حده انقلب إلى
ضده اعتدالاً كان أم تطرفاً .
لكن مصطلح " إسلاميون " خاصة في الوقت الحاضر
أقتصر إطلاقه على أبناء الحركة الإسلامية لاسيما منهم المتبنون للطرح السياسي ،
وقد جاءت لفظة إسلامي في مقابل لفظة علماني ، وهو كل من يرى بفصل الدين عن الحياة
بعامة وعن السياسة بصفة خاصة . وهكذا صار كل من يدعو لتحكيم الشريعة ويرفض فصله عن الحياة ، يطلق عليه لفظ إسلامي
.
وكثيراً ما نسمع
من يرفض الدولة الدينية ، معتقداً أو متعمداً المساواة بينها وبين الدولة
الإسلامية ، ولا مقارنة بينهما في الواقع ، فالدولة الدينية ولكي يصدق عليها
المسمى لابد وأن يتوفر فيها شرطان :
ـ أن ينوب الحاكم فيها عن الله ، وهكذا يصبح معصوماً في
أقواله وأفعاله .
وثانيهما : استحواذ الحاكم على حق التشريع تحليلاً
وتحريما وهذان الشرطان ليسا من السياسة الشرعية في شيء بل ليسا من الإسلام في شيء
خاصة عند أهل السنة والجماعة ، فالعصمة في الدولة الإسلامية للنص من كتاب أو سنة صحيحة
، ونيابة الحاكم عن الأمة وليس عن الله . والسيادة للشرع ، والسلطان للأمة ،
والتشريع حق خالص لله لا يشاركه فيه أحد .
ولا يشترط في دولة اتخذت الشريعة مرجعية لها أن تكون كل
قوانينها وتشريعاتها منصوصاً عليها في الكتاب أو السنة، بل كل قانون أو تشريع حقق
مصلحة ولم يخالف نصاً شرعياً هو من
الشريعة ، وكل نظام توافر فيه هذان
الشرطان هو نظام إسلامي ، وأي نظام افتقد أياً منهما فما هو بنظام إسلامي .
التقتني صحفية ايرلندية فسألتني قائلة : أي نموذج من
الإسلام تريدون ؟ التركي أم الطالباني أم السعودي ؟ فقلت : لاشيء من هذا !! فقالت
: فأي نموذج تريدون ؟ قلت : النموذج النبوي فقالت : هل تنوون تحكيم الشريعة ؟
فقلت : لا قالت : كيف ذلك وأنت من الإسلاميين المعروفين ، وقد قضيت نصف عمرك في
سبيل هذه المباديء ؟ فقلت : مايهمنا هو أن
نحكم بما بما لا يخالف الشريعة مهما كان مصدره إذ كل ما لا يخالف الشريعة هو منها .
فقالت : خبرني عن قانون هو من الشريعة ، ولم ينص عليه
فيها .. فقلت : قانون إشارات المرور .
فهو يحفظ النفس ، ولا يخالف النص .
فقالت : أنصحكم بنشر هذا الفهم بين الناس ، فمن شأنه أن
يتيح لكم فرصة الانفتاح على غيركم والاستفادة مما عندهم . ثم قالت : ماذا عن
السياحة ؟ فبلدكم جميل ومعالمه السياحية كثيرة : فقلت : مرحباً بكل من يريد السياحة في ليبيا ، شريطة أن يحترم ثقافتنا
وألا ينتهك حدود شريعتنا ،وألا يشكل خطراً على أمننا فعلى أقل تقدير ستتاح لنا
فرصة دعوته للإسلام وتعريفه على بلدنا . فقالت :
لكن جمال السياحة ومتعتها لا يكتمل إلا بالخمر ؟ فقلت : عليك في هذه
الحالة أن تعاقري الخمر لثلاثة أيام متوالية في بلدك ثم تأتي للسياحة عندنا ، فلن
يزول أثر الخمر حتى تكتمل سياحتكك ؟
فقالت : ماذا لو أتيت به معي ؟ فقلت : ليس أمامك إلا
الحبس !! فقالت : لو قلت خلاف ذلك لما صدقتك ثم قالت : أنا لا أتعاطى الخمر ولا السجائر !! فقلت
: ما يمنعك أن تسلمي ؟
فقالت : لم أزل أفكر .
فقالت : سينظر العالم إليكم ، ويقيم ثورتكم عبر قيمتين :
الديمقراطية ، وحرية المرأة . فماذا عنهما ؟
قلت : مطلبنا الأساس أن ينص في دستورنا على عبارة تقول
الشريعة المصدر الرئيس للتشريع ، أو المصدر الوحيد .
وبناء عليه فكل قاعدة دستورية ، أو تشريعية ، أو قانون
أو لائحة ، أو قرار لابد وأن ينظر إليه عبر هذه القاعدة ، بل وأي مصدر أخر يراد
الاستفادة لا يجوز بحال مخالفته فيما يراد
الاستفادة فيه لهذه القاعدة .
فقالت : هذا من حقكم لكونكم مسلمين .
قلت : والمرأة لها أن تفعل ما تشاء متما شاءت ، وكيف
شاءت ، وأن تقول ما تشاء ، وأن تشارك فيما تشاء من نشاطات اجتماعية أو سياسية ،
أو ثقافية ، أو غيرها بشرط الأ تخالف شريعتها
،وألا تناقض طبيعتها ، إذ بمخالفة شريعتها
تغضب ربها، ومناقضتها طبيعتها
يجعلها في أشكال مع نفسها والمحيط من حولها ، وهو الأمر ذاته بالنسبة للرجل.
أما عن الديمقراطية فما يوافق شرعنا منها نقبله ،
ومايخالفه نرفضه وهو بالتالي كالإستفادة من أي تراث إنساني لا يخالف شرعنا بصرف النظر عن المسمى،
فإعطاء السيادة للشعب بمعنى حق التشريع
ولو خالف الشرع أمر مرفوض ، وحق الاختيار
، والانتخاب أمر مقبول وقد حدث هذا بعد قتل سيدنا عمر ، بل حتى أختيار سيدنا أبي
بكر كان وفق الانتخاب، كان هذا الحوار في
مارس أي بعد شهر من قيام الثورة ، ولم تتضح ساعتها الأمور .
والذي أريد قوله والخلوص إليه مما سبق أنه ثمة حقائق أود
وضعها أمار القاريء الكريم كي يكون على علم بها :-
وأول هذه الحقائق .. أن مسألة كون الشريعة المصدر الرئيس
للتشريع لا يجوز أن يستفتي عليها في مجتمع مسلم بأكمله ، وإنما ينص عليها في
الدستور لتحمل شيئاً من الديمومة والخلود ، ولئلا يأتي من يلتف على الشريعة بدعوى عدم نص الدستور عليها .
وثانيها الوحدة
الوطنية ، وسيادة البلد فهما خطان أحمران لا يمكن لأحد تجاوزهما ، ولا العبث بهما
تحت أي ظرف من الظروف.
وثالثها : إننا أمام استحقاق تاريخي ، وهو استحقاق
لانتخاب المؤتمر الوطني ، ومن ثم اختيار اللجنة التأسيسية لو ضع مسودة الدستور ،
وسيتقدم كثيرون للترشح ، وسنسمع من كل من يتقدم بأنه أتى ومعه حلول لكل المعضلات ، أو أغلبها وقد
يكون كذلك فالله يخلق ما لا نعلم ، لكننا والحالة أننا لا نعلم الغيب فعلينا أن
نركز على المنطلقات أكثر من تركيزنا على المقالات ، فقد يقدم المتقدم
للإنتخابات وعودا ً، وقد يسمع الناخبين ما يودون سماعه ولكن وفي غالب الأحوال أن
ما يلتزم به قبل الإنتخاب ليس بالضروري أن يتحقق بعده . لذا أرى التركيز على أربع
صفات لتتوافر في من يراد انتخابه : الولاء للإسلام ، والإنتماء للوطن ، والكفاءة
العلمية ، والخبرة العملية وذلك من أجل بناء دولة تحقق العدالة في القضاء
والمساواة في العطاء فالله يقيم الدولة العادلة ولو كانت كافرة ، ويهلك الظالمة
ولو كانت مؤمنة .
وعلى الدرب نلتقي..
محمد بوسدرة .
بارك الله فيك.
ردحذفبارك الله فيك يادكتور وجزاك عنا كل خير
ردحذفبارك الله فيك لقد كفيت و وفيت
ردحذف