الخميس، 26 يناير 2012

عمر عبد العزيز : بني وليد... مهرجان التصريحات والأسئلة الحائرة!!!

لا يكاد المراقب والمتابع للمشهد الليبي يصدق ما يرى ويسمع من فوضى التصريحات، بعد أحداث بن وليد الأخيرة، فبين مؤكد على أن ما وقع هو خروج لأزلام الطاغية من جحورهم مستغلين ضعف القوة الموجودة في المدينة، ومن ثم محاصرتهم لكتيبة 28 مايو ودكها، ثم السيطرة على المدينة بأكملها، وبين موقن بأن ما جرى لا يعدو كونه مشكلة داخلية، كان السبب فيها اعتقال أحد أبناء إحدى العشائر من قِبَل الكتيبة المذكورة، ما لبث أن تحول إلى غضب من قِبَل أهل المعتقل، تطور لاحقا إلى نزاع مسلح بعد رفض الكتيبة إطلاق سراحه. 
"ما حدث لا يعدو كونه حادث عادي يشبه كثيرا من الأحداث التي وقعت في ليبيا، وتتكرر بشكل مستمر" يقول وزير الدفاع ... وإذا كان الأمر كذلك، فما الذي أكسب هذا الحدث كل هذا الزخم من الأفعال وردود الأفعال والتصريحات والتصريحات المضادة!. 



أكثر من 48 ساعة مرت على بداية الأحداث، ولم ينجلي غبار المعركة عن الحقيقة بعد، ولم يُعرَف تحديدا من المنتصر ومن المهزوم، إلا أن هذين اليومين أفصحا عن مُسَلَمٍ واحد واضح بَيِن، ألا وهو أن المهزوم الأول في هذا الصراع هو أركان الدولة الليبية - إذا كان هناك دولة - التي أثبتت فشلا ذريعا، وسقطت سقوطا مدويا في هذا الاختبار، بعد أن أخفقت في إدارة مهرجان التصريحات، وحفل الكلام، الذي انطلق مساء الإثنين 23 يناير ولا يزال مستمرا حتى الآن. 



بدأ الحفل بتصريح لوزير الداخلية، يؤكد فيه على أن ما وقع هو مشكلة داخلية، ولا علاقة لقصة أزلام النظام بها، في الوقت نفسه أكد مبارك الفطماني ومحمد بشير، وهما رجلان من قادة المجلس المحلي لبني وليد، على رواية (أزلام النظام)، وبعد ساعات من تصريح وزير الداخلية الأول، تحدث الوزير إلى إحدى القنوات الفضائية مستدركا على أن ما صرح به ابتداءً كان قبل أن يتصل به الرجلين المذكورين آنفا، مؤكدين رواية (أزلام النظام) وكأن الوزير بهذا الكلام يؤكد رواية الرجلين، وقبل انتصاف ليل الإثنين، أتى الخبر اليقين على لسان المستشار مصطفى عبد الجليل ، نافيا رواية (أزلام النظام)، ومؤكدا على أن الأمر جد عادي، وأنه مشكلة داخلية. 

في اليوم الثاني استمر مهرجان التصريحات، وتضارب الأنباء، بين مثبت ونافٍ لكلا الروايتين، مع بروز وجوه جديدة بمسميات قديمة (( رئيس المجلس العسكري بني وليد- رئيس المجلس المحلي المرشح لبني وليد- عضو المجلس الاجتماعي لبني وليد- آمر الحرس الوطني لبني وليد))، وفي وسط هذا الخضم من التضارب، صرح وزير الدفاع العتيد بأن وزارته أرسلت قوة لحفظ الأمن في المدينة، لكن الوزير سرعان ما تراجع عن قوله عندما داهمه أحد مذيعي إحدى الفضائيات بسؤاله عن هذا الخبر"وهل هذه القوة موجودة الآن في بني وليد؟" فقال: سنرسلها غدا. 

ويجب التنويه هنا إلى أن المهرجان لم يختتم فعالياته بعد، إلا أنني أكتفي بإيراد آخر فقرة مهمة فيه حتى تاريخ كتابة هذا المقال، وهو تصريح للمستشار الجليل يؤكد فيه على أن الحكومة منشغلة الآن بتدارس الوضع في بني وليد، والتأكد من الروايات وحقيقتها، وأن الحكومة وحدها هي المسؤولة عن التحقيق في الموضوع. 



لا شك أنه مهرجان مثير بكل المقاييس، يدفع الحاضرين للألم والدهشة في آن معا، ويجبر المحللين وأصحاب الأقلام لطرح مجموعة من الأسئلة الحائرة: 

- متى يتوقف هذا النزيف المريع من الاستعجال في التصريحات وردود الأفعال؟ 

- هل وضع القائمون على الدولة الرجل المناسب في المكان المناسب؟ وقد قيل لنا أن اختيار الوزراء تم بشكل شفاف قائم على الكفاءة والوطنية واستعراض السير الذاتية. 

- هل بني وليد دولة مستقلة يصعب الدخول إليها والتحقق مما جرى فيها إلا بموافقة أركان حكمها ؟أم أنها مدينة ليبية تقع تحت سيطرة الدولة ويطالها ما يطال باقي المدن؟ 

- إذا كان الحدث عاديا فكيف نفسر عدم ورود أي صورة أو حتى مقطع مسموع حي من داخل المدينة؟ ولمَ لم تدخل وكالات الأنباء والقنوات الفضائية إليها حتى ساعة كتابة المقال؟ 

- ما هو التوصيف الدقيق لوظيفة سعادة المستشار؟ هل هو الناطق الرسمي باسم المجلس، بعد استقالة نائبه والناطق الرسمي باسمه؟ أم أنه رئيس الدولة؟ أم هو رئيس المجلس التشريعي للدولة الناشئة؟ وهل تخول له وظيفته هذه بالتصريح في كل شاردة وواردة، ثم يظهر أن تصريحه كان غير مبني على حقائق؟ 

- أين دور وتصريحات رئيس الجهاز التفيذي الممثل في رئيس الوزراء في هذا الحدث؟ أم أنه اكتفى بما رأى وسمع؟ 

- متى يتعلم القائمون على الدولة من أخطائهم وقد أحدثت تصريحاتهم فيما مضى فوضى في البلاد وإهلاك للعباد وما قصة القبض على سيف وأخيه المعتصم عنا ببعيد؟!!! 



ما نرجوه حقا هو أن تفكر النخبة الحاكمة في هذه التساؤلات، وأن يوجدوا الآلية الصحيحة الفاعلة،التي تضمن جمع الألسنة، بالتوازي مع جمع الأسلحة، لعلهم يظفرون بعودة ثقة المواطن في أقوالهم قبل أفعالهم. 



بتاريخ 25/01/2012 

omaraa8@gmail.com 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق