يوما بعد يوم تتكشف لنا فصول الملحمة المأساوية العالمية المعروفة باسم "أكبر دكتاتور، وأصغر شعب" . وهي ملحمة تراجيدية من تأليف وإخراج معمر القذافي، والذي كان يلقننا، نحن الليبيين، وربما غيرنا، حوار هذه الملحمة المخزية، ويومئ إلينا بمشاهدها من وراء حجاب كثيف من أجهزته وكتائبه الأمنية.
فصل هذه الملحمة الأخير خرج فيه أبطال الملحمة عن النص، كما أن مؤلف ومخرج الملحمة نفسه خانته ذاكرته، وقبل أن يصل إلى العقدة الدرامية الأخيرة جفَّ مداد قلمه، وتحرك قلم القدر ليكتب نهاية الظالمين ويفضحهم، وينصف المظلومين من ظالمهم.
صعلوك جهنم، القذافي، الذي كان يتعثر في خطاه عندما يسير في شوارع طرابلس نهارا، وذلك لما يعانيه من عقد نفسية وانهزام داخلي وكبر كاذب، وحقد على كل ذي نعمة. وعند حلول الليل يأوي إلى دكان في أحد أزقة الحارة ليبيت فيه، ضيفا على مالك هذا الدكان، الطرابلسي.
صعلوك جهنم أصبح، وعلى حين غفلة من أهل طرابلس، حاكم طرابلس وسيدها الأوحد.
لابد أن هذا الغازي الدخيل فعل ما فعل، واختطف المدينة وأهلها، باستخدام سلاح فتاك كان يخفيه وراء بساطته وبدائيته، ولم يكن لأهل طرابلس علما ولا قبلا بسلاح هذا المتسلل الخبيث.
ــ ترى ما هو سلاح هذا الصعلوك، وأين كان يخفيه، وهو النحيل الهزيل الأمرد؟
ــ غالب الظن أنه لم يكن معه سلاح من الأسلحة التي نعرفها.
ــ إذن فأي سلاح استخدم؟
ــ استخدم ما لديه من مخزون وقاحة هائل، وكذا ما لدينا من مخزون سذاجة وجبن مخجل.
ــ وهل مخلوط وقاحة صعلوك، وجبن أهل مدينة وسذاجتهم، يمكن أن ينتج عنه هذا المركب الطاغوتي الذي بلغت مستويات عنفه وحقده حد حرق أجساد أهل المدينة الطيبين الذين فتحوا أبواب مدينتهم لصعلوك جهنم وآووه دون التثبت من هويته؟
ــ هذا ما بات مؤكدا، وخاصة بعد اختفاء عشرات ألوف المخطتفين من أبناء المدينة، واكتشاف بعضهم وقد أحجمت النار التي ألقوا فيها عن حرق عظامهم، وتوقفها عن مواصلة مهمتها الخبيثة التي كلفها بها الطاغية، وأعلنت تمردها عليه، وذلك لعجزها عن مجاراة ما في صدر الدكتاتور الصعلوك من حقد جهنمي دفين!
ــ حقا توقفت النار ولم تأكل أعظم أبناء المدينة الذي أخذوا على حين غرة ،وذلك رغم قابلية العظام البشرية المحاطة بالشحوم والمشبعة بالدهون للاحتراق!
ــ عجبا حتى النار المحرقة التي تأكل كل شيء تخرج عن النص وتتمرد على من أشعلها، ويستيقظ ما أودع الله فيها من حس، وتتوقف عن مجاراة مخلوق خلا من كل إحساس، أو بقية من ضمير.
ــ أجل، فبروز جماجم الشهداء من أتون الحريق، وركام الرماد الأسود، وتلويحها باللون الأبيض، وذلك على غير ما نعرفه من تغليف سواد السخام لكل جسم حرقته نار، لهو دليل على خروج النار المحرقة عن النص.
ــ ربما من أجل إعلان النار عن التكفير عن ذنبها، وتحولها إلى شاهد إثبات ضد من ورطها في هذا الجرم الشنيع، حرق بني الإنسان الذي كرمه الله وسخر له كل شيء، حتى النار.
ــ بكل تأكيد.
ــ سأجاريك في تحليلك هذا تقديرا لرومانسيتك الجامحة، ولكن هل تعتقد أن تحول الرأي العام العالمي، وفي مقدمتهم رؤساء الدول من أوربية وغيرها، هو أيضا ضرب من ضروب الخروج عن النص؟
ــ أجل. إن تحول أصدقاء القذافي من مثل ساركوزي وبرلسكوني وغيرهم هو خروج جماعي مثير جدا عن نص رهن القذافي في سبيل تكريسه مستقبل ليبيا، ولم نسمع طيلة فترة ترديد هذا نصوص هذه الملحمة أي صوت نشاز من الجوقة المنافقة التي أظهرت للقذافي ما لم تكن تبطن، وذلك من أجل تحقيق مصالحها مع دكتاتور ليست له مصلحة سوى بقائه فوق رؤوس الليبيين.
ــ أصبتني بعدوى تحليلاتك الرومانسية، وبدأت ألمح في كل شيء خروج عن النص، فالظواهر والإحصائيات العلمية الثابتة خرجت هي الأخرى عن النص.
ــ كيف؟
ــ من المعلوم أن في كل رحلة جوية تقوم بها طائرة نسبة من الخطر، ويزيد معدل تحقق هذا الخطر بتعدد الطائرات وتكرار مرات صعودها وهبوطها، وكذا بعد منطقة ساحة المعركة وشدة استعارها نيرانها. وكل ذلك كان متوفرا في حملة الناتو على كتائب القذافي، ولكن لم يعلن عن تحقق أي من هذه الأخطار المتوقعة. أليس كذلك؟
ــ بلى، ففي آلاف الطلعات الجوية كانت نسبة تحقق الخطر صفر في المائة، وهو لعمري لخروج صارخ عن النص!
ــ ما أجمل وأعظم ذلك الخروج المثير عن النص الذي مارسه وبإتقان ممثل القذافي في مجلس الأمن، شلقم، وقبله نائبه، الدباشي، وكذا سفير القذافي لدى واشنطن!
ــ أجل، فلم يحدث في تاريخ الدبلوماسية مثلما حدث في نيويورك في تلك العشية المشهودة من خروج جماعي عن كل النصوص!
ــ أعلن في ذلك اليوم الانقلاب على كل مألوف ومعهود.
سبحان الله الحكيم المعبود!
محمد الشيباني
http://libyanspring.blogspot.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق